خرج علينا معالى وزير الآثار مستنفرًا فينا الحمية الوطنية، والغيرة الفرعونية، والحماسة الاكتتابية مطالبًا إيانا بجمع مبلغ يقارب المائتى مليون جنيه كى نسترد تمثال كبير الكتبة (سخم-كا) قبل أن يبيعه ورثة مكتشفه «اللورد هاينتون» ومتحف بلدة «نورث هامبتون» لسيدة قطرية.
واكتشف التمثال فى عام 1850 فى جبانة سقارة ونقله هاينتون معه إلى بريطانيا. ولم تكن هناك فى هذا الوقت كيانات معنية بالحفاظ على الآثار، وكانت تجارتها وتصديرها خارج البلاد مشروعة. وتبرع اللورد البريطانى بالتمثال إلى متحف نورث هامبتون فى بريطانيا فى أواخر القرن الثامن عشر.
وفى عام 2012 اتفق ورثة «لورد هاينتون» مع إدارة المتحف على بيعه وتقسيم المقابل المادى مناصفة لتطوير المتحف، وبعد ذلك الحين عرضت إدارة المتحف البريطانى التمثال للبيع، لعمل توسعات فى محيطه.
كان الخبر شائعًا فى بلاد الله منذ عام 2012 وبلغت أهمية الخبر أن المظاهرات خرجت فى البلدة البريطانية ومناطق أخرى مطالبة بعدم بيع التمثال الذى صُنع بدقة متناهية، حيث يوضح مقاييس الأعضاء الجسدية بشكل مميز، وتظهر فيه العضلات وعظام أسفل الرقبة وعظام الركب وعضلات سمانة الأرجل وتفاصيل أصابع القدم والأظافر مع بقايا ألوان حمراء وسوداء وبنى وبرتقالى.
لكن شيوع الخبر وتناقل وكالات الأنباء العالمية له، إضافة إلى نداءات المهتمين بالآثار المصرية فى الداخل والخارج، لم يلفت نظر وزارة الآثار – المسئول الرسمى الأول عن الآثار المصرية – التى اكتفت بالاعتراض على فكرة البيع، فكان الرد عليها هو أن التمثال خرج من مصر بطرق مشروعة ويملك أصحابه بيعه، وهو ما تعرفه وزارة الآثار المصرية وتعرف أنها ليس لها حق الاعتراض على البيع.
معنى ذلك هو أن الوزارة اتخذت خطوة متأخرة لا معنى لها وهى تدرك أنها لا معنى لها من باب سد الذريعة لا أكثر، وها هى تعاود الكرة بخطوة لا معنى لها بمطالبة المصريين بشراء التمثال من المزاد الذى أقامته قاعة «أكريستيز» بالفعل وانتهت من بيعه بالفعل، والذى اشترته السيدة القطرية لأسباب ليس من بينها نية بيعه للمصريين الذين انتظروا 135 عامًا حتى يفكروا فى شرائه.
بهذا المنطق نفسه، وبتعميم فكرة وزير الآثار العبقرية، سيكون علينا أن ندفع مليارات الدولارات لاستعادة آثارنا المنهوبة والمباعة لأثرياء فى كل أنحاء العالم، بشرط أن نمتلك هذه المليارات، وأن يتعاطف هؤلاء الأثرياء من هواة جمع الآثار مع فكرتنا الساذجة.
والسؤال الذى لا يملك إلا أن يطل برأسه فى هذا السياق هو: ماذا فعلت وزارة الآثار لحماية الآثار الموجودة فى المتاحف المصرية وبعضها قطع نادرة ثمينة بوزن قناع توت عنخ آمون وكرسى عرشه؟.. وتتوالى الأسئلة بعد هذا السؤال الذى ستجلب إجابته الكثير من الحرج: ماذا تفعل وزارة الآثار لحماية آثار مصر المخزنة فى الأحراز، والتى توازى ثلث آثار مصر المنقولة، والتى نهبت حصة كبيرة منها خلال السنوات الماضية وبيعت على الأرصفة فى أوروبا رغم أنها مسجلة ويحظر نقلها وبيعها وامتلاكها؟ وماذا تفعل وزارة الآثار وغيرها من الجهات المعنية لحماية الآثار الثابتة فى مصر من أهرام ومعابد ومساجد وأديرة حتى لا يلحقها من التلف ما لحق الكرنك وهرم زوسر ومسجد الجيوشى بسبب التسيب والاستهتار فى ترميمها؟
أمام وزير الآثار عشرات القضايا التى يجب عليه بحكم وظيفته أن ينظر فيها ويتخذ فيها قرارات أقل سذاجة من فكرته التى طرحها لاستعادة تمثال (سخم-كا) بإعادة الشراء، وهى قضايا حلها ممكن وواجب وملحّ بشكل أكبر من قضية التمثال الصغير الذى اكتسب أهميته من الفضيحة التى أحاطت ببيعه، وبسبب اهتمام الخواجات فى بلاد بره به، لا بسبب أهميته التاريخية أو الفنية أو حرصنا على استرداده.