لماذا أدى ضعف الإقبال على التصويت فى الانتخابات البرلمانية الحالية إلى استنتاج مقتضب بأن الشعب يحاول توجيه رسالة لوم للدولة على تقصيرها فى جوانب كان من المفترض أن تؤديها بشكل أفضل؟

يقتصر دور الدولة فى الانتخابات – أى انتخابات – على فصلين، أولهما أن تضمن الدولة الأمن خلال العملية الانتخابية بما يعطى المواطنين الفرصة كاملة للتعبير عن اختياراتهم دون تعرض سلامتهم لأى مخاطر جراء هذا التعبير، وثانيهما أن تضمن الدولة نزاهة العملية الانتخابية عندما تقدم إمكانياتها العدلية والرقابية لتعطى المواطن حقه فى أن يحصل على اختياره دون تدخل من أى طرف لتزييف هذا الاختيار.
وليس من أدوار الدولة أن تحشد المواطنين للتصويت فى الانتخابات، فهذا دور الشارع السياسى بكل مكوناته، من أحزاب وجماعات سياسية وأفراد وإعلام، وبالتالى لا تلام إلا هذه الجهات إذا ما جاء الإقبال على المشاركة السياسية فى عملية انتخابية ضعيفا.
ولا يخفى على أحد الحال المزرى للأحزاب السياسية التى تملك مقرات ولافتات لا يقابلها وجود حقيقى فى الشارع، كما لا ينكر أحد أن حالة الإعلام المصرى اليوم بائسة إلى حد لا يستأهل حتى الشفقة، وقد انصب جل اهتمامه على سفاسف الأمور التى يصنع لها قيمة من العدم ويجعلها على رأس الأولوية فى لوحة عبثية لا يمكن أن تنتج مع حالة الشارع السياسى الرثة أى مشاركة شعبية مشرفة.
أما تصور أن نسبة المشاركة تمثل تصويتا على الثقة فى النظام الحاكم برمته فهو تصور تحكمى يجاوز منطق الأمور، حتى على الرغم من قيام الرئيس عبدالفتاح السيسى بوضع شعبيته الشخصية على المحك بدعوته الجماهير المصرية للمشاركة فى الاستحقاق الانتخابى الذى يتوج خارطة الطريق التى يقودها الرئيس، وهى مخاطرة سياسية اعتادها الرئيس رغم ما عليها من محاذير.
وهذا ليس الاستنتاج التحكمى الوحيد الذى حدث، فجانب أنصار الرئيس عزا البداية المتعثرة للانتخابات من حيث نسبة المشاركة إلى شعور المواطنين بغياب التحدى، أو إلى شعورهم بأن مصر فى أيد أمينة ولا تحتاج إلى مشاركة شعبية فى إنقاذها كما كان الحال فى الانتخابات الرئاسية.
لكن الإحصايات تقول الكثير مما تغفله الآراء التحكمية: مثل أنه لا يمكن قياس نسبة المشاركة فى الانتخابات الرئاسية على نسبة المشاركة فى انتخابات برلمانية، حيث من المعتاد بشكل مطلق أن تكون الأولى أكثر جذبا لهذه المشاركة.
كما أنه لا يمكن الحكم على نسبة الإقبال على الانتخابات من القراءات الأولية للمرحلة الأولى التى تشارك فيها تسع محافظات من محافظات الصعيد المعروف عنها نسب الإقبال المنخفضة مقارنة بمحافظات المرحلة الثانية ذات الكتل التصويتية الأكبر.
وتتذكر الإحصائيات أيضا نسبة مشاركة أقل من ثمانية بالمئة شهدتها انتخابات الشورى فى عهد الإخوان، دون أن يزعم أحدهم حينها أن هذه النسبة استفتاء بالسلب على حكمهم.
المعادلات السياسية ليست معادلات بسيطة فى العموم، ولا تتساوى أطرافها فى العادة إلا نظريا ومع الإغفال العمدى لعناصر منها، هى ليست حسابات بسيطة لأنها فى الأغلب تنقصها أرقام سرية بطبيعتها أو مغيبة بفعل النسيان أو التناسي، ولهذا السبب لا يمكن الثقة فى أى تحليل سياسى مهما بدا منطقيا ومتسقا ومتجانس المقدمات والنتائج.
لكن أدنى درجات المعرفة بالسياسة تقول: إن التعبير السلبى عن الرأى، كامتناع الناخبين عن التصويت فى انتخابات، يتطلب فى الأصل أن تكون نسبة الإقبال على التصويت مرتفعة، حيث لن تجدى مقاطعة فى سجل شعب سبق له أن شارك بنسبة أقل من ثمانية بالمئة فى انتخابات سابقة، وفى وضعية سياسية مقلوبة عن الواقع الحالي.
كما تحتاج إلى قوة مؤثرة، وليكن الثلث على الأقل، ليكون لمقاطعتها معنى يذكر، وهو غير متحقق فى الحالة المصرية التى تبلغ فيها نسبة المشاركة الكلية أقل من أربعين فى المئة فى الظروف الاعتيادية.
ولنا بعد انتهاء الانتخابات قراءة أخرى للصورة تدعمها البيانات النهائية للانتخابات وما تعنيه وما قد تشير إليه.

Link