أبرزت الصحف البريطانية أخيرا ما تبغيه من الضجة التى أثارتها بعد سقوط الطائرة الروسية فى سيناء، وبعد أيام شهدت موجة غير مسبوقة من المتابعة اللصيقة لهذا الشأن بما طرحته هذه الصحف مؤخرا عن إمكانية انسحاب القوات الروسية من سوريا بعد سقوط الطائرة.

كانت كل خطوط التحقيق فى أول يومين لسقوط الطائرة تشير إلى أن الطائرة لم تتعرض لعمل إرهابي، لا عن طريق صاروخ انطلق من الأرض، ولا عن طريق تفجير من الداخل فى الجو يمكن تعقب آثاره بسهولة خلال ساعات، وكانت الصحف البريطانية وحدها تصدح بأن سقوط الطائرة يرجع إلى عمل إرهابى إن لم يكن صاروخا فهو قنبلة.
وتعامل الإعلام المصرى مع الأمر فى إطار إدراكه للمؤامرة البريطانية الأبدية ضد مصر، وأعنيها حقا لا سخرية، وخاصة أن الإعلام البريطاني، الذى فاتته إحدى عشرة حادثة جوية وقعت فى العام المنصرم، وضع كل تركيزه على هذا الحادث وكأنه مسألة حياة أو موت لبريطانيا، رغم أنها ليست دولة الإقلاع ولا دولة الهبوط ولا دولة السقوط ولا الدولة المالكة أو المشغلة للطائرة، وليس لها فوق ذلك مواطن واحد من بين الضحايا.
بدا الأمر فى بدايته موجها بشكل خالص لضرب الموسم السياحى الشتوى فى مصر، للمرة الثانية على التوالى بعد أن تسبب إنذار أمنى كاذب صدر عن لندن أيضا فى غلق عدد من السفارات قبل بداية الموسم السابق مباشرة.
لكن الحقيقة الأعمق ظهرت بموجة متصاعدة فى ذات الإعلام البريطانى تتساءل إذا ما كان على بوتين أن ينهى حربه فى سوريا بعد أن تلقى هذه الضربة، وهذا بالطبع بعد أن وضعت الصحف البريطانية العمل الإرهابى كاحتمال وحيد لسقوط الطائرة، وذلك فى ربط تعسفى لا منطق فيه بين وجود القوات الروسية فى سوريا لحماية مصالحها الاستراتيجية عند حليفها التقليدي، وبين ضربة – ما زالت فى حكم الافتراض حتى تعلن النتيجة النهائية للتحقيقات – لطائرة مدنية روسية.
واكتملت الصورة عندما فضح مصدر دبلوماسى أمريكى لشبكة CNN مصدر المعلومات التى أقامت عليها بريطانيا حملتها، حيث قال المصدر الذى رفض الإفصاح عن هويته إن إسرائيل التى تتنصت على الاتصالات فى سيناء اعترضت اتصالا هاتفيا يشير إلى علاقة بين داعش وبين سقوط الطائرة، وإنها توجهت بما تملك من تسجيلات على الفور إلى الولايات المتحدة وبريطانيا.
وبعد يومين وصلت «الأدلة» إلى موسكو عن طريق بريطانيا، لتخرج إسرائيل بعدها بساعات فتقول على لسان وزير دفاعها موشى يعلون إنها تعتقد أن الطائرة الروسية سقطت بسبب عمل إرهابي.
كانت ضربة مزدوجة محكمة إذا، هدفها الأول هو الضغط على بوتين – المهتم منطقيا بسلامة مواطنيه فى أى مكان فى العالم – كى يسحب قواته من سوريا، وهدفها الثانى هو ضرب موسكو فى بدن حليفتها مصر بدماء روسية لا يمكن أن يساوم عليها بوتين.
ظاهر الأمر الذى لا يحتاج إلى تحليل عميق هو أن سقوط الطائرة الروسية جاء نتيجة لعمل إرهابى حقا، لكنه ليس عملا داعشيا إلا بمقدار تبعية داعش نفسها للولايات المتحدة وبريطانيا، كصنيعة من الأصل أو كحليف طبيعي.
أما باطن الأمر، فهو عامر بمئات الأسئلة التى تدور حول دور إسرائيل فى اللعبة، وحول التنسيق البريطانى الأمريكى خاصة بعد طلب واشنطن اللحوح والمتكرر للمشاركة بشكل مباشر فى تحقيقات سقوط الطائرة، وحول موقف مصر التى ليس من المنتظر أن تكون أرضا لصراع دون أن تكون طرفا فيه.
وقد أثبتت زيارة الرئيس السيسى لشرم الشيخ فى طريق عودته من السعودية أن مصر عازمة على ألا تكون هامشا فى هذه المعركة التى مست أمنها وسلامة أراضيها وأمان سمائها، ناهيك بالطبع عن الرسالة التى يرسلها هبوط الطائرة الرئاسية فى مطار عزفت الصحف العالمية كلها سيمفونية من أردأ الأناشيد عن غياب الأمن فيه.

Link