قال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قبل أيام إن روسيا لا تقوم بعمليات عسكرية فى سوريا من أجل تجربة أسلحة جديدة، لكن الإعلام الغربى الذى استقبل التدخل الروسى فى سوريا بمشاعر مختلطة يميل إلى أن دوافع موسكو للقيام بعملية سوريا تتضمن رغبتها فى «إثبات» قدرتها العسكرية، لا مجرد تجربتها.
وقد سلطت نيويورك تايمز الأمريكية الضوء مؤخرا على هذا الجانب، وفصلت كيف أن روسيا تسعى مؤخرا إلى تطوير قدراتها العسكرية، وتسعى إلى إثبات هذا التطور عمليا، سواء بعملياتها فى أوكرانيا أو بتدخلها فى سوريا التى لا يمكن وصفها بأنها خطأ من جانب الكرملين، وإنما خطوات صلبة نحو هدف روسى استراتيجى أكبر.
فإلى جانب الأسباب الظاهرة للتدخل الروسى، مثل دعم حليف إقليمى مهم فى وزن سوريا، ومثل توجيه ضربة محرجة لإدارة أوباما تتعلق بسياساتها فى منطقة الشرق الأوسط، تتقدم روسيا بخطوات واثقة فى مسيرتها نحو تعزيز قدراتها العسكرية، والأهم من ذلك، إثبات هذه القدرات عمليا على الأرض.
وبإعادة النظر إلى أحداث التدخل الروسى لن يخفى هذا الهدف الاستراتيجى على المراقب، ابتداء بالهجمات الصاروخية الطويلة، والهجمات بصواريخ كروز، وحتى بإطلاق الصواريخ من غواصات فى البحر، وانتهاء بالتجارب والتعديلات التى تدخلها روسيا على أسلحتها وأنظمتها الهجومية والدفاعية، مرورا بما يكتسبه ضباطها وقواتها الخاصة المحترفة من خبرات حرب حقيقية.
وقد عانت روسيا لسنوات بسبب الأزمة الاقتصادية التالية على انهيار الاتحاد السوفيتى، والعقوبات والتحالف الغربى ضدها، لكنها اقتربت – من خلال عملية تدريجية مدروسة – من سد الفجوة بينها وبين الجيوش الحديثة.
ومع دخول مصطلح «الجيوش الحديثة» إلى المعادلة يجب أن ينسى المنجمون تماما فكرة أن روسيا تنوى دك مدن سورية على رأس خصوم بشار الأسد، فبوتين وإدارته يرغبان فى خلق صورة ذهنية جديدة للجيش الروسى مخالفة لصورته التى اكتسبها بعد اكتساح برلين فى نهاية الحرب العالمية الثانية بأن الجيش الروسى قوة حديثة محترفة متقدمة تكنولوجيا، وليست مجرد قوة كاسحة تعتمد على غلبتها العددية وقدرتها على الصمود.
لقد دخل الجيش الأحمر برلين على أصوات صواريخ كاتيوشا التى كانت تصدر صريرا أطلق عليه الألمان اسم «سيمفونية ستالين»، وهدمت المدرعات السوفيتية عاصمة هتلر تماما، لكن الصورة الذهنية المتراكمة عن الجيش الروسى منذ ذلك الحين لم تختلف كثيرا عن قوة كاسحة كثيفة العدد متخلفة العتاد تطلق النار عشوائيا وتدك المدن.
وهذا ما تحاول روسيا تغييره دعائيا ونوعيا من خلال عملية عسكرية «محدودة»، سواء فى أوكرانيا أو فى سوريا، تحقق أهدافا استراتيجية تخدم مصالح روسيا، وفى الوقت نفسه تتميز بالحذر والحرص على وضع الخسائر فى الأفراد عند أقل مستوى ممكن، وهو مؤشر يدل على الاحترافية والعصرية التى ترغب روسيا فى تحقيقها ونشر صورتها عن جيشها.
ولضمان الحفاظ على عملياتها العسكرية فى الخارج، لم تتدخل روسيا فى أوكرانيا إلا بعد أن واجه المتمردون الموالون لها تراجعا فى موقفهم على الأرض، ولم تتدخل لدعم الأسد بالقوة العسكرية المباشرة إلا بعد أن بدا أن معارضى الرئيس السورى يقتربون من أسوار دمشق ويحكمون الخناق على نظامه الحيوى لوجود روسيا فى المنطقة.
ولهذا السبب تحديدا يبدو أن روسيا لن تتدخل بريا فى سوريا، وستترك هذا الدور لقوات الأسد مكتفية بتقديم الدعم الجوى له من خلال هجمات جوية نفذت منها المقاتلات والقاذفات الروسية أكثر من أربعة آلاف طلعة على الأقل، واستهدفت بها أكثر من ثمانية آلاف هدف للمعارضين، وهو ما يكذب ما تردد عن إرسال موسكو لمدرعات للصف الأول لمعركة الدفاع عن دمشق وحمص.
كما ينفى أن روسيا دخلت هذه المعركة لسبب فى سذاجة تجربة أسلحة جديدة، فروسيا دخلت هذه الحرب لتثبت واقعا سياسيا وعسكريا جديدا، ولتضعه فى حيز التنفيذ.