ورفضت مصر صراحة التدخل البري في سوريا الذي دعت إليه وتعد له السعودية وتحشد، وكان الرفض بمثابة مذكرة تفسيرية للعبارة التي أطلقها الرئيس السيسي في مطلع حكمه وأثارت حينها الجدل والتساؤل حول ما المدي الذي يمكن أن تستخدم فيه مصر قواتها المسلحة في صراعات خارج الإقليم المصري، ولصالح الحلفاء في الخليج.
وكان الاختبار الأول لهذه العبارة يوم أعلنت السعودية حربها علي مستودع الأشباح اليمني، وبدا الموقف المصري حينها غير واضح بالمرة، فهو من جانب يعلن استعداده الكامل لتغطية الحرب التي تقودها السعودية برا وبحرا وجوا، بينما تمتلئ الأجواء بالشائعات عن القوات البحرية التي حاصرت مضيق باب المندب في ساعات، والقوات البرية التي أرسلت بالفعل، والقوات الجوية التي تدك مواقع الأشقاء اليمنيين لحساب الأشقاء السعوديين.
ثم تبين لاحقا أن كل هذه الأنباء لا أساس لها، وتبين أن مصر لم ترسل ولو جنديا واحدا إلي هذا الميدان، وتصور البعض أن مصر أحجمت عن الدخول في الصراع في اليمن خوفا من ذكريات حرب اليمن التي لم تكن من الذكريات السعيدة للقوات المسلحة المصرية.
واجتمعت مجموعة المانحين لسوريا في ميونخ وقررت أنها ستمنح سوريا مزيدا من القنابل، ودعت المجموعة إلي تدخل ملموس لوقف الغارات الروسية في سوريا، وسارعت السعودية إلي نشر طائراتها الحربية في قاعدة إنجرليك التركية، حيث تتمركز قوة الجو الرئيسية لحلف شمال الأطلسي، علي اعتبار أن قنابلها التي تحمل شهادة أن لا إله إلا الله لن تكون بالتأكيد بضرر غارات الروس.
ولا يخفي أن تركيا هي الدولة التي قدمت العرض الأكثر جدية وإلحاحا للتدخل البري في سوريا، وهي في هذا الصدد تنفذ أجندة الولايات المتحدة وحلفائها الذين لا يرغب أحدهم في القيام بهذه المهمة التي لن تكون لها علي أي حال نهاية سعيدة.
وبإعلان السعودية عن مجرد الرغبة أو الموافقة علي هذه الخطوة، تكون – وبسلاسة تحمل ختم واشنطن بشكل واضح – تكون قد سلمت قيادة الحلف السني الفاعل في المنطقة إلي تركيا دون جهد حقيقي من أنقرة.
ولا ينقص هذا الثقل السني سوي انضمام مصر الذي توقع كثيرون، ومن بينهم مصريون بالطبع، أن يكون انضمامها لهذا الحلف في حكم المضمون، فإن لم يكن انضمامها صريحا ومباشرا، فهي علي الأقل ستمنح مباركتها لهذه الخطوة.
وجاء رفض القاهرة الصريح بمثابة إعلان وفاة مبكر لهذه العملية العسكرية التي لا يمكن فهمها إلا علي أنها محاولة لموازنة الحلف الروسي الإيراني في سوريا، وهو أمر شبه مستحيل في هذه المرحلة بالنظر إلي حجم القوة العسكرية التي وضعتها موسكو علي الأرض في الميدان السوري، وبالنظر إلي مقدار ما قطعته من عمليتها العسكرية لتأمين الشبكة الحضرية أمام الجيش السوري الذي يواصل تطهير هذه الشبكة من حلفاء السعودية المسلحين من جماعات الحرب المعارضة.
وجاء تعليق الرئيس السوري بشار الأسد علي طرح التدخل البري السعودي بأن «السعودية وتركيا دولتان تابعتان ولا يمكنهما تغيير الخريطة» كقراءة واعية لتدخل لا يزيد علي كونه أمنيات تقودها تركيا، وتلقي السعودية بثقلها وراءها.
الأكثر من ذلك أنني أشك كثيرا في أن تتمكن الطائرات التي أرسلتها السعودية أو الطائرات التركية من التحليق في سماء سوريا، فروسيا قد حشدت أنظمة دفاعية ليس أخطرها نظام إس- 400 الذي لن يسمح بتحليق ذبابة في هذه السماوات دون رضاء روسيا، كما أن هذه الأنظمة تضم الطراد الداهية «موسكو» الذي يسبح قبالة السواحل السورية، وبه أنظمة دفاعية متطورة تعمل مع مئات من الأقمار الصناعية الروسية علي الحيلولة المطلقة دون تدخل لا تقبله روسيا في هذا الملعب.
لن تذهب قوات مصر المسلحة إلي كمين بهذه السذاجة، ولن تكون بالتأكيد طرفا في تسليم قيادة المحور السني إلي تركيا، فمسافة السكة وعد دفاعي كريم منها، وليس وعدا بالذهاب معكم إلي الجحيم.