ظن الرئيس الكوبى فيديل كاسترو أن العملية الصغيرة التى بدأتها الولايات المتحدة بضربة جوية محدودة وإنزال برى لعدد من المنشقين الكوبيين عبر البحر فى خليج الخنازير مقدمة لغزو أمريكى كامل لكوبا، فاستدعى قواته كاملة ووضعها فى حالة تأهب كامل.

كانت هذه القوات فى انتظار عملاء أمريكا الذين نزلوا إلى الشاطئ الجنوبى لكوبا دون تمهيد جوى بعد أن حرمهم حذر كينيدى من ضربة جوية تمهيدية فعالة، وبعد أن أدى الاستنكار الدولى للضربة الأولية المحدودة التى قتلت سبعة مدنيين إلى إلغاء كينيدى للغطاء الجوى لهذا الهجوم.
وكانت النتيجة أن القوة المكونة من ألف وخمسمائة مقاتل مسلحين بأسلحة أمريكية، والتى رست على شاطئ يبعد عن هافانا مائة وخمسة وعشرين كيلومترا، تحولت إلى صيد سهل للقوات الكوبية التى كانت مستعدة لهجوم أكبر بكثير.
ودمرت الطائرات الكوبية التى لم تصبها خسائر تذكر فى القصف التمهيدى السفن التى كانت تحمل الذخيرة للجيش العميل، وبعد ثلاثة أيام فقط كانت قوة الغزو البائسة ما بين قتيل وأسير.
وخرج كينيدى من هذه المغامرة بأول فشل سياسى وعسكرى فى رئاسته، بينما خرج كاسترو بصورة البطل الذى أذل أمريكا وأحبط مؤامرتها ضد بلاده.
وأمر كينيدى المخابرات الأمريكية بالتفكير فى خطة جديدة لإسقاط نظام كاسترو ولو بقتله، وعرضت المخابرات الأمريكية على الرئيس خططا تتراوح بين اغتيال كاسترو ورش عقار الهلوسة فى الاستوديو الذى يلقى فيه خطاباته ليبدو كلامه جنونيا عندما يخاطب شعبه.
وربما لم يعرف التاريخ زعيما تعرض لمحاولات اغتيال بعدد المحاولات التى تعرض لها فيديل كاسترو، فقد أعلنت لجنة من لجان الكونجرس تدعى لجنة تشيرش أن المخابرات المركزية الأمريكية حاولت اغتيال كاسترو ثمانى مرات بين عامى 1960 و1965 بينما قال فابيان إسكالنتى، الرئيس المتقاعد لفرع مقاومة كوبا فى المخابرات الأمريكية: إن عدد محاولات اغتيال كاسترو بلغت 638 محاولة!
وتراوحت طرق الاغتيال بين محاولة تفجير كاسترو أثناء زيارته لمتحف إرنست هيمنجواى فى هافانا، وتسميم السيجار الذى كان يدخنه بشراهة أو دس سيجار متفجر فى علبته، وتسميم بدلة غطس كان من المقرر أن يرتديها، أو تسميمه بالبلوتونيوم المشع، أو استخدام أملاح الثاليوم لإتلاف لحيته الشهيرة، إضافة إلى عشرات الأفكار الأخرى التى يقف أمامها الشيطان محتسبا مسيرته المهنية عند الله.
وفشلت كل المحاولات لاغتيال كاسترو الذى ما زال حيا يرزق حتى كتابة هذه السطور.
ومع تزايد شعور كاسترو بالأمان فى بلاده، بدأ الزعيم الكوبى العنيد فى محاولة تصدير ثورته الماركسية اللينينية إلى دول أمريكا اللاتينية، وردا على هذه المحاولة أجرت الولايات المتحدة فى 1962مناورة عسكرية كبرى تضمنت مشروع حرب لغزو جزيرة فى البحر الكاريبى فى تهديد صريح لكاسترو، ولشغل رأسه بالتجهيز للدفاع عن أرضه بدلا من التفكير فى تصدير الثورة خارجها.
وصدق كاسترو وحلفاؤه الروس أن الولايات المتحدة تعد العدة لغزو كوبا فعلا، وعندما طلبت كوبا المساعدة من موسكو، أقدم الرئيس السوفيتى، نيكيتا خورشوف، على خطوة جريئة.
كان خورشوف يعرف جيدا أن ترسانته من الصواريخ النووية طويلة المدى لم تكن تمثل تهديدا حقيقيا لأمريكا، لكنه كان فى الوقت نفسه يملك صواريخ متوسطة المدى يمكنها أن تصل إلى كل المدن الأمريكية باستثناء سياتل إذا أطلقت من كوبا، فقرر إرسال عدد من هذه الصواريخ ومنصات إطلاق وأجهزة رصد وتوجيه وطواقم تشغيل ومعاونة لنشرها فى كوبا.
وبدأت فى هذا الوقت ما بات يعرف لاحقا بأزمة الصواريخ الكوبية، التى وضعت العالم على شفير حرب عالمية ثالثة كانت بالتأكيد ستكون حربا نووية، وبعد مساجلات ومناوشات تضمن إسقاط الدفاعات الجوية الروسية فى كوبا لطائرة استطلاع وتصوير جوى أمريكية، وبعد فرض كينيدى لحصار كامل على كوبا، قرر خورشوف سحب الصواريخ النووية من كوبا وإعادتها إلى الاتحاد السوفيتى فى مقابل سحب واشنطن لصواريخها النووية الاستراتيجية متوسطة المدى من تركيا.
وللحديث بقية فى المقال القادم إن شاء الله.

Link