قرأت مؤخرا استشهادا حكيما بتجربة وضع ضفدع فى إناء وتسخين الماء عليه، وهى تجربة تكشف أن الضفدع لا يحاول القفز خارج الإناء فور ملاحظته لارتفاع درجة حرارة الماء، وإنما يوجه جهده وطاقته كلها إلى محاولة التكيف مع الوضع الجديد، فإذا زادت حرارة الماء عن طاقة احتماله حاول النجاة بنفسه، لكن الأوان يكون قد فات، فالضفدع البائس يكون قد استهلك كل طاقته فى محاولة التكيف.

الشاهد فى هذه التجربة أن محاولاتنا التكيف مع مستجدات غير مقبولة أو غير محتملة ستؤدى فى النهاية إلى تضييع الوقت والجهد بينما تتفاقم هذه المستجدات حتى تتغلب على قدرتنا على الاحتمال، ثم تقضى علينا بعد أن تخور قوانا فيكون مصيرنا مثل مصير الضفدع المذكور.
أما الضفدع فهو المجتمع المصري، وأما الماء الذى تزداد سخونته تدريجيا حتى يوشك على الغليان فهو الطائفية، وأما محاولات التكيف التى تستنفد طاقتنا فهى سياسة المصالحة على الحقوق والمجالس العرفية وتسمية الطائفية المتأصلة بالفتنة، وأما الوثب خارج الماء المغلى فهو اللجوء الفورى لفرض دولة القانون على الجميع على أساس المواطنة.
وقد اعتدنا أن نواجه أزماتنا دائما بإطلاق أسماء حركية على الأشياء نرددها حتى نقنع أنفسنا بأنها ليست على حقيقتها، وإنما على حقيقة المسميات الجديدة، فسمينا الجمود استقرارا، وسمينا الخصومة السياسية مؤامرة، وسمينا الهزيمة نكسة، وسمينا العنصرية والطائفية فتنة، وفى كل مرة نصدق الأسماء التى ادعيناها، فنعالج مضمون الأسماء الحركية ولا نعالج الأزمة نفسها.
والحقيقة أننا نتعامل مع جرائم الكراهية التى ترتكب فى صعيد مصر على أنها «فتنة»، والفتنة تعنى اختلال الفكر المؤقت المبنى على ضلالة تبدو مقنعة، بينما ترتكب تلك الجرائم تحت تأثير معتقدات راسخة تضمر الكراهية والتمييز تجاه شق من شقى المجتمع الذى يعتقد أنها مبنية على أساس من صحيح دينه ومعتقده، فهى إذا ليست فتنة، لأنها ليست مؤقتة ولأنها ليست مبنية- من وجهة نظر مرتكبيها- على ضلالة، وإلا فما موقع شيوخ الإفتاء الذين يحدثون كل يوم فتوى تهدر دما هنا وتسفح دما هناك؟
ومعالجة الفتن ممكنة بالمصالحة وتطييب الخواطر وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه ظاهرا، لكن ما يصلح للفتنة لا يصلح بالضرورة لمعالجة جرائم الكراهية التى لا يصلحها إلا ما يحققه القانون من ردع خاص لمرتكب الجريمة، وردع عام لكل من قد تسول له نفسه ارتكابها فى المستقبل.
لهذا اصطنعت المجتمعات المتحضرة لنفسها قوانين جنائية، فهى أدوات المجتمع فى صيانة نفسه من الجانحين، وحماية أمن أفراده وسلامة ممتلكاتهم من المعتدين بشرط تطبيقها فى جميع الحالات وعلى جميع الأفراد دون تفرقة لأى سبب ودون مراعاة لأى ظرف، بحيث يعرف كل جانح أو خارج على القانون بالتأكيد أنه سيواجه عقوبة محددة إذا ارتكب جريمة ينتويها.
أما والضفدع قد اختار أن يتكيف مع ارتفاع حرارة الماء ولم يهرع إلى الفرار منه فورا، أى أما وقد اختار المجتمع المصرى أن يعالج الجريمة معالجته للخلافات العائلية، فالطبيعى هو أن تستفحل الجريمة حتى تصل إلى حد الترويع الجماعى للآمنين على أساس اختلافهم فى المعتقد الديني، ببساطة لأن الجناة يعرفون أن الرد سيكون من جانب هيئات الترضية التى تحمل تارة اسم بيت العائلة، وتارة أخرى اسم المجالس العرفية، لا من جانب القانون الذى لم تعرف المجتمعات البشرية وسيلة غيره بعد لمقاومة الجريمة.
يقول المنطق إن على الضفدع أن يقفز على الفور إلى الحل الكامل بدلا من حلول المواربة والتسوية المؤقتة مع العوامل التى توشك على تدميره، وهو ذات المنطق الذى يفرض على المجتمع المصرى ضرورة اللجوء الفورى إلى فرض سيادة القانون على أفراده دون تمييز كى يحمى نفسه من التفكك النسيجى قبل أن يصل إلى درجة لا يمكن علاجها فيموت كالضفدع الذى تأخر عن اتخاذ الخطوة الحاسمة فى الوقت المناسب.

Link