لم أكن أتوقع أن يأتى يوم أقدم فيه النصح والمشورة لجماعة الإرهاب فى معركتها مع نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، لكن ما وصلت إليه هذه الجماعة من البؤس الفكرى يدعو إلى الحزن على حال الجماعات الإرهابية كفكرة عامة، ويستجلب الشفقة على ما آلت إليه خططها وما انحدر إليه أملها فى الخلاص من هذا النظام الذى يضع الآن لمساته النهائية على ديكورات مقبرتها الأبدية.
وكانت استراتيجية الجماعة قد تحولت، بعد فض فرصة إشعال حرب أهلية بالاعتصام فى ميدان رابعة وميدان النهضة، وبعد أن كشف النظام الجديد عن خيارات عنيفة لم تكن متوقعة، قد تحولت إلى محاولة كسب المباراة معه بالنقاط لا بالضربة القاضية كما سقط نظام مبارك، فقد تأكد لهم أن دعوات التظاهر لن تؤدى إلى حشد يصلح لإسقاط النظام فى يوم وليلة.
وبدأت الجماعة سلسلة طويلة من عمليات الهدم الجزئية لمصداقية مؤسسات الدولة التى ما زالت متماسكة بعد عصر مبارك وبعد سقوطه، فشككت فى القوات المسلحة فى كل مناسبة متاحة، وفى الشرطة فى كل فرصة سانحة، وفى القضاء فى كل وقت لا تأتى أحكامه على ما يوافق هواهم المخرب، كما سفهت من كل إنجاز حققته الدولة، وتصدت لكل موجة إيجابية أو تفاؤل يعلو بها الناس أو تعلو بهم.
وهنا يكمن العيب فى استراتيجيتهم، وهو أنها تعتمد بشكل كامل على لعبة النقاط، التى تفترض شيئين لا وجود لهما فى حظوظ الجماعة: الأول هو أن الخصم (نظام الرئيس السيسى) لن يكسب نقاطا خلال المباراة، وأنه سيعتمد على ضربة قاضية واحدة أغلب الظن أنها ستكون ضربة أمنية، والثانى هو أن الحكم (الشعب فى هذه الحالة) يحصى النقاط ويتذكر حسابها، سواء كانت هذه النقاط فى صالح الجماعة أو حققتها دولة الرئيس السيسي.
والحقيقة على خلاف هذا الظن هى أن نظام الرئيس السيسى يلعب على الهدفين معا، فهو يعد لضربات قاضية مثل تصفية الإرهاب فى سيناء أو طحن عظام أفرع الجماعة فى ليبيا أو فى تجفيف منابعها السياسية والاقتصادية فى قطر، ويحافظ فى الوقت نفسه على سياسة كسب النقاط على مدار المباراة مثل الإصلاحات الاقتصادية وفرض مظلة الضمان الاجتماعى وحل أزمات الطاقة والغذاء والرواتب وسد الفجوات التشريعية وإعادة إعمار البنية الأساسية وفتح مشروعات تستوعب قطاعا كبيرة من العاطلين وغيرها من النقاط التى سجلها هذا النظام على مدار ثلاث سنوات.
كما أنه – وعلى عكس ما يبدو – نظام حذر لا يدع فرصة يتلقى فيها ضربة موجعة، ويستثمر تحركات الجماعة على الأرض لصالحه السياسي، سواء فى الداخل عن طريق تعزيز الجبهة الداخلية فى الحرب على الإرهاب، أو فى الخارج عن طريق مد ذراعه العسكرية خارج الإقليم لتوسيع دائرة هذه الحرب.
المشكلة الحقيقية أمام الجماعة أن نظام الرئيس السيسى اقترب من حسم كل الملفات الشائكة التى كان من الممكن أن تستثمرها الجماعة لخلق زخم شعبى يصلح للإطاحة به، فبعد انتهائه من ترسيم الحدود البحرية الشمالية والشرقية وبعد انتهائه من الإصلاحات الاقتصادية وبعد حملته لاسترداد أراضى الدولة وملفات أخرى كبيرة، وعلى الرغم مما قامت به الجماعة من جهد وما أنفقت من مال، مر النظام من هذه المفترقات بسلام ولم يبق أمامه من الملفات الثقيلة إلا أقل القليل، وهو ما يعنى بالضرورة تراجع فرصة توجيه ضربة حاسمة له.
كما أنه استطاع تحقيق قدر من النجاحات الاقتصادية التى سمحت له بتقديم عائدات إضافية للشعب المصرى أعادت قدرا لا بأس به من التماسك للكتلة الصلبة التى تؤيده، بمعنى أنه قادر على إزالة آثار الضربات المتوالية التى تتلقاها هذه الكتلة، سواء تلك التى من فعل الجماعة أو التى وقعت بسبب ضعف الأداء الإعلامى للنظام.
للأسف لم تعد بيد الجماعة حلول حقيقية فى الموقف الحالى سوى بعض الضربات العشوائية التى ستؤكد يأسها أكثر فى المخيلة الشعبية، ولا أرى إلا أن تجمع الجماعة كل ما بقى لها من رجال ومال، وتهاجر إلى أى بقعة من أرض الله الواسعة، فتنشئ فيها أساسا جديدا ربما يحالفه الحظ فى النمو مرة أخرى، وربما استولت على الحكم فى هذه البقعة، وربما استقر لها الحكم، وربما شكلت جيشا جرارا من المؤمنين بأستاذية العالم وعالمية الدعوة الإخوانية، وربما فى غضون قرنين أو ثلاثة تمكنت من العودة لغزو مصر وإعادة مرسى إلى الحكم.. والله الموفق.