وقف العملاق فؤاد المهندس أمام شويكار في مسرحة “أنا وهو وهي” ليلقي بعبارته الخالدة التي تلخص مفهوم العدالة الحاسم في أي مجتمع يسعي لدولة مدنية تعيش تحت سيادة القانون، فقال: “القانون مايعرفش زينب”.

ورغم السياق الكوميدي الذي قيلت فيه هذه العبارة، فما تعبر عنه هو يمثل قاعدة أساسية هي الأكثر جدية في فلسفة القانون، وهي أن القانون لا يميز بين أفراد المجتمع علي أي خط من خطوط اللون أو الجنس أو العرق أو المستوي الاجتماعي.

صحيح أن القانون يقر في بعض الحالات ظروفا مخففة أو مشددة في بعض الجرائم، لكنها في النهاية حالات مجردة تتعلق بظروف ارتكاب الجرم، ولا تُخصص لأشخاص بعينهم بغرض التمييز، وعليه فهي في ذاتها جزء من صلب القانون الذي “لا يعرف زينب”، لكنه ينظر في الظروف التي قد تكون أحاطت بارتكاب زينب لجرم، أو في ظروف وقوع زينب ضحية جرم..وهذه المقدمة من المعروف في القانون بالضرورة، بل من البديهيات، لكننا ـــ وكما أردد دائما ـــ نحتاج في أوقات التشوه الفكري إلي إعادة التأكيد علي ما نعتقد أنها بديهيات.

فعندما انفجرت أزمة جزيرة الوراق، كانت المسألة التي يقوم عليها الجدل المجتمعي هي أن المواطنين الذين استولوا علي أرض الدولة في هذه الحالة “فقراء”، وأن تطبيق القانون علي الفقراء ظلم، وأن سارق الأرض يجب أن يحصل علي سكن آدمي مكافأة له علي استيلائه علي أرض، وتعويضا له عن الفترة التي انتفع فيها من أرض نملكها جميعا ولا يملكها وحده!

هذه دولة قانون لا يعرف زينب، وهي تطبق القانون دون النظر إلي أفراد، ولا تغفل دورها في الضمان الاجتماعي وحماية الطبقات الأولي بالرعاية بمعاشات أو بحصص تموينية أو بالخدمات والإسكان الاجتماعي والقضاء علي العشوائيات، لكن أزمة هذه الدولة الحقيقية أن زينب نفسها لا تعرف القانون ولا تعترف به.

Link