سرعان ما يتحول الهجوم علي فكرة الوعي الي مسار العاطفة الكاذبة تجاه الفقراء التي تدعو دائما الي التعاطف مع الفقراء بدلا من محاولة توعيتهم، وهوما يترجم مباشرة الي ان الوعي نقيض للمشاعر الانسانية الواجبة تجاه الفقراء، وانه انفصال عن واقع ادراك الازمة، وهو عكس الواقع تماما.

فمخاطبة المواطن بطبيعة أزمة بلاده الاقتصادية وتاريخها واسبابها وحلولها المطروحة جزء من حل هذه الازمة، لان المواطن هو العنصر الفاعل في حل الأزمة سلبا وايجابا، وهو المنوط به العمل علي تصفيتها، وهو من ثم مسئول الي جانب اجهزة الدولة المعنية عن تنفيذ هذه الحلول، سواء بقيامه بأعمال لا يرغب في القيام بها، أو في امتناعه عن أعمال لا يرغب في الامتناع عنها.

ولعل ذلك هو السبب الذي من أجله يقبل المواطن، بل يستحسن، فكرة الهجوم علي الوعي وأصحابه، لانه لا يريد ان يتحمل مسئوليته تجاجه أزمته، وينتظر أن تأتي الحلول علي هيئة زيادة في المرتبات أو زيادة في الدعم علي السلع والخدمات أو زيادة في الكفالة المباشرة للدولة للمواطنين.

لا يريد هذا المواطن الرافض لفكرة الوعي ان يذكره أحد بأنه عاش دهرا طويلا معتمدا علي مال تقترضه الدولة باسمه، وتنفقه علي شراء الاوليات لاشباع بطنه، أو تنفقه علي دعم لعملته الوطنية ليبقي هو في وهم لا اساس له بأن عملته تساوي كذا لا كذا. ولا يريد هذا المواطن ان يسمع كلاما عن الاستهلاك العادل أو الترشيد أو خفض الاستيراد أو تخفيف الاتفاق العام علي الدعم أو تحويله الي الطبقات الاكثر احتياجا، ولن يسمع أي كلام قد يمس مصلحته الفردية المباشرة ومكاسبه التي حصل عليها علي حساب من هم أولي منه بها. نحن نكره الوعي والتوعية ونعادي المعرفة ونكره العارفين، لا لأن عملهم وأثرهم يخدم نظاما سياسيا لا نؤيده، ولكننا نكرههم لانهم يحاولون ايقاظ ضمائرنا المسترخية كي تتحمل مسئوليتها التاريخية، سواء في ذلك المسئولية عن صنع الازمة أو مسئولية حلها.

Link