يتجمهر الناس علي محطات الوقود تجمهرا يشبه يوم الحشر بسياراتهم وجراكنهم وأكياسهم ليدركوا قسطا من الوقود قبل ان يرتفع سعره، ويخلقوا أزمة كفاية قبل ان تبدأ ازمة السعر؟ وماذا لو وظفت الدولة كل وسائلها الاعلامية في التوعية بضرورة الاصلاح الاقتصادي، وحساسية خطواته، وخطورة استمرار الدعم علي الطاقة علي قدرة الدولة الحالية والمستقبلية علي الوفاء بمسئولياتها تجاة مواطنيها، فهل يقرأ الناس؟ وهل يسترعي انتباههم المنطق وهل تؤثر فيهم لغة الأرقام؟ هل سيتخلي نجوم السوشيال ميديا عن مواقعهم كقادة لجوقات الندب التي تزيد أرباحهم التخيلية ويجنحوا الي الحقائق التي لن تجر عليهم الا الشتائم والتراجع في اعداد المتابعين؟ وهل ستفتح قنوات الصراخ والمزايدة امام الاصوات العاقلة التي تنطلق بالواقعية وتدعو إليها؟

الحقيقة ان كل ذلك لن يحدث، وكلنا نعرف أنه لن يحدث، لاننا جميعا نعرف- وان كنا لا نعترف- أن الازمة الحقيقية التي يعيشها المجتمع المصري ليست أزمة اقتصادية أو سياسية بقدر ما هي أزمة اجتماعية عنوانها عطب الوعي وتغييب المنطق ومعاداة الحقيقة في ذاتها ورفض الواقع في كنهه.

نحن نعاني أكثر ما نعاني من بؤس حقيقي في مادة الوعي نفسها لدرجة معاداتها الصريحة، فنهاجم أي كلام به شبهة التوعية، ونضرب نيراننا استباقيا باتجاة اي منصة يحتمل ان تأتينا منها نصيحة، ونرفض المعرفة والحقيقة ذاتها ونعاديهما من ناحية الجذر والمبدأ، نحن لا نعارض محتوي التوعية بل نعارض الوعي نفسه.

وهذا ليس حكما تعسفيا اذا كانت معطيات الحال تدل عليه وتؤدي الي استنتاجه استنتاجا عادلا، فعلي خلاف الطبيعة السوية التي تدعو الانسان الي البحث عما ينفعه، والي التقصي عن المعرفة التي تفيده، ترانا نستنكر اي وصفة وعي علي اعتبار انها خطوة مغلقة لدعم الدولة في ازمتها الاقتصادية، أو في ازمتها السياسية، ليصبح الوعي في مخيلتنا الشعبية مرادفا للتطبيل للنظام الحاكم علي اعتبار ان معرفة المواطن بحقيقة اي جانب من جوانب ازمته سيخدم مشروع الدولة الاصلاحي وهو ما لا نريده ولا نستحبه.

Link