عندما نزلت يد من الفراغ على قفا السيد البدوى الذى كان رئيسا لحزب الوفد حينها، لتدوى بصفعة رجت أرجاء مجمع التحرير وأصمتت الآلاف من الثوار الذين أحاطوا بالحدث الفريد، وتحول الصفع على القفا إلى وسيلة من الوسائل المشروعة والمقبولة من وسائل التعبير عن الرأى السياسى فى بلادنا.
ومنذ هذه اللحظة اللعينة وحتى اليوم، وبعيدا تماما عن معزة الأقفية التى صفعت خلال هذه الحقبة وكرامتها عندى من عدمه، والنصر فى المعارك السياسية المحتدمة يحسم بصفعة طائشة على قفا الخصم فى ملابسة يوازيها دائما هاتف محمول تسعى كاميرته إلى التقاط هذا الانتصار المعنوى المجيد.
لقد أدخل الإخوان إلى قاموس السياسة المصرى المشوه أصلا عنصرا جديدا أصبح مع تكراره وسيلة تمثل الشرعية المفقودة التى يندب الإخوان على عتباتها المقدسة فى كل مناسبة، خاصة لو كانت مناسبة دولية، لتحقق الصفعة الأثر المطلوب من أطرافه.
وتستقبل وسائل البطالة الذهنية والاختلال الوطنى على فيس بوك وتويتر هذه العطايا بحفاوة واضحة، ويتداولها الجميع وكأن نشرها ضرورة حيوية لبقاء التواصل الاجتماعى فى حد ذاته، وكأنه لا يتنفس إلا حقارة ومرضا وعدوانا.
وبالطبع لا تؤتى الصفعة أى أثر إيجابى يحرك القضية لصالح الإخوان، فلم يضع قفا الإعلامى أحمد موسى حدا لتأييده لدولة السيسى، ولن تؤدى صفعة الزميل محمد مصطفى شردى إلى عودة مرسى، كما لن تجدد الصفعات المتكررة على قفا يوسف الحسينى عهد الإخوان أو تعيدهم إلى مقاعدهم فى الاتحادية.
كل ما تفلح فيه هذه الوسيلة هو أنها تترك فى نفس المصفوع أثرا مهينا يأتيه بغتة ولا يتركه أبدا، ولا بد أن هذا الأثر يكسر شيئا فى نفسه لن يصلحه شيء مهما كان، ولا أستبعد أن يزيده هذا الأثر المؤذى إلا إصرارا على عداء الإخوان.
كما أن الصفعة تترك أثرا أشد قبحا، هذه المرة فى نفس الذين يشاهدونها، سواء فى ذلك قبلوها واستحسنوها أو رفضوها واستهجنوها، فهى تضيف إلى عالمهم المزعج وجها جديدا من وجوه الإيذاء النفسى غير المبرر بنتيجة تذكر، وتصنع من نفوسهم المسوخ التى يسعى الإخوان إلى استنساخ أنفسهم من غيرهم إليها.
لا يأمنن أحد على قفاه أو على قفا عزيز لديه الآن، فالوسيلة سهلة ورخيصة.. أقصاها ثلاثة أفراد أحدهم يشغل الزبون والثانى يصفعه والثالث يصوره، وهذه إمكانيات يمكن لكل جهة فى العالم أن توفرها إذا قررت أنت تنتهج هذا النهج الخطير.. لا يأمنن أحد منا على رأيه أو توجهه السياسى أو الاجتماعى أو ما عدا ذلك أو دونه أن يسوق قفاه إلى الصفع العلني.
ولا يأمنن أحد منا على كرامته الإنسانية التى تجاوزها السخف والسفه فى الخصومة، وجعلها عرضة للمرمطة، ولا يحسبن أحد أن الصفع سيتوقف عند أقفية أنصار السيسى وحدهم، ولا يحسبن أحد أن ذا القفا لا يد له يرد بها الصفعة يوما ما كما أن ذا اليد له قفا يصفع.
لكن الصورة ستكون بائسة حقا إذا اتخذ الخلاف- أيا كان الخلاف فى بلادنا- هذا المنحى، وإذا استمرت الصفعة وسيلة للتعبير وتسجيل المواقف، ناهيك عن السباب والشتم فى زفة هزلية لا تؤخر قدرا نزل بطائفة ومحا حكمها، ولا تقدم لهذا الشعب غير مادة مصورة ستظل هائمة فى أرجاء الشبكة العنكبوتية تنتظر مريضا ينشرها، ولا تعدم مريضا يشاهدها.
سيكون قفاك عزيزى القارئ طرفا فى اللعبة السياسية، وساحة لإبداء الصفع ما دمت أنت فى المعادلة طرفا، ولك بعد أن ذلك أن تنشر التصوير وتعلق عليه أو تفرح به أو تشمت فى أقفية تستحق الصفع حقا اليوم، ليأتى الغد ولا تميز الصفعات بين أقفية تستحق وأقفية شريفة كريمة كل ذنبها أنها تحمل رأسا يفكر فى شيء بطريقة غير التى يفكر بها صاحب الصفعة.