وسط احتفالات قوة حراك اليمنية التى يدعمها التحالف الذى تقوده السعودية باستعادة السيطرة على ميناء عدن من أيدى الحوثيين الأسبوع الماضى، كانت أعلام اليمن الجنوبى القديمة لا أعلام اليمن الموحد هى المسيطرة على المشهد.

ويتساءل كثيرون وسط الاحتفالات والهتافات ونظريات المؤامرة عن المستقبل ما بعد استعادة عدن، خاصة بعد أن أشاع الحوثيون بعد هزيمتهم أنهم كانوا يقاتلون داعش والقاعدة لا حركة حراك ليعودوا بعدها فيوسعوا دائرة المؤامرة المتصورة لتشمل السعودية وأمريكا وإسرائيل.
لكن وراء هذه التبريرات التى تبدو خيالية للبعض حقائق واضحة، أولها أن روح الانفصال فى الجنوب، والتى تمثل حركة حراك وجهها المسلح، ليست جديدة على اليمن، خاصة بعد الإطاحة بعلى عبد الله صالح فى ,2011 ولا يمكن استبعاد حقيقة سيطرة حركة انفصالية على عاصمة الجنوب ومينائه الرئيسى من مشهد كل ما فيه يوحى بأن عودة اليمن إلى الانفصال حتمية.
ولا أتصور أن العلم الجنوبى فى الاحتفالات يرفرف بدلا من علم البلاد الرسمى من أجل إعادة حكم عبدربه منصور هادى فى صنعاء أكثر مما يرفرف تعبيرا عن صراع الجنوب من أجل الانفصال.
لكن حركة حراك التى نجحت فى طرد الحوثيين من عدن بدرجة من الكفاءة العسكرية لا تملك الكفاءة السياسية ولا الإدارية التى يمكنها بها أن تدير الجنوب الذى تحكمه الروابط والصراعات القبلية التى يمكن أن تطيح باليمن الجنوبى حال استقلاله ما لم تتوافر له حكومة مركزية قوية.
ولا يبدى اليمن الجنوبى ميلا يذكر للاستمرار فى الوحدة، ويفضل الفكاك من هيمنة صنعاء التى تسيطر بالفعل على نسبة أكبر من ثروات الجنوب، خاصة النفط، مما تمنح هذا الجنوب من خدمات، لكن روح الاشتراكية التى كانت تمسك بوحدة اليمن الجنوبى قبل إعادة توحيد اليمن فى مايو 1990 لم يعد لها وجود، ولن تكفى نوايا حراك حتى لو كانت نوايا حسنة لتسيير الجنوب ولو بحكم ذاتى.
لكن هذه العقبات لم تكتم أصوات دعاة الانفصال الكامل بعد فشل دعوة الفدرالية التى أطلقها هادى عام 2013 بسبب أجواء الصراع التى أحاطت بتوقيت وظروف طرحها.
ويبقى الأمل الوحيد للانفصاليين فى الحصول على مساعدة ذات القوى التى ساعدت حركة حراك عسكريا فى دعمها مدنيا وإداريا وسياسيا لتتمكن من حكم الجنوب الذى لم يعرف غير المساعدات السوفيتية ثم الاعتماد على صنعاء فى الحكم والإدارة.
وترجمة الفقرة السابقة هى أن الانفصال لن يحدث، أو لن ينجح إذا حدث، إلا بمساعدة سعودية قوية وصريحة. ورغم أن عملية عاصفة الحزم بدأت بالأساس لإعادة حكم عبدربه منصور هادى ودحر الحوثيين الذين تربطهم علاقات بإيران تزعج السعودية على حدودها الجنوبية، فمن السهل على الرياض أن تتخلى عن تمسكها بهادى إذا أصبح الانفصال أمرا واقعا ومتى حقق ذلك أمنها بشكل أفضل.
ولن يتحقق أمن السعودية ما لم تكن لها السيطرة المباشرة أو شبه المباشرة، من خلال حكومة جنوبية موالية، على الملاحة فى بحر العرب ومضيق باب المندب، لأنها بغير هذه السيطرة ستكون عرضة للمغامرات الإيرانية التى سيحلو لها بالطبع تسليح أى عابر سبيل على حدود السعودية الجنوبية.
ويعنى ذلك أن اتفاقا استراتيجيا يلوح فى الأفق بين حكومة انفصالية جنوبية محتملة من ناحية والسعودية من ناحية أخرى يتضمن تقديم السعودية الدعم المادى والسياسى والإدارى اللازم للدولة الوليدة فى مقابل حصول السعودية على ما يغطى أمنها من قواعد بحرية وحقوق استثنائية فى المرور البحرى العسكرى فى المياه الإقليمية اليمنية، بما يحول الدولة الجديدة إلى حزام أمنى للمملكة فى مواجهة الطموحات الإيرانية.
ربما بدت فكرة انفصال الجنوب سوداوية، لكن بالنظر إلى السرعة الفائقة التى تتحرك بها الأوضاع اليمنية منذ اندلاع الأزمة، فعلى كل الأطراف أن يستعدوا دائما لما هو أسوأ.

Link