يقولون إن التاريخ يعيد نفسه، ويضربون الأمثال بدوائر تاريخية تدور فى نفس المدارات، فيبدو وكأن التاريخ يعيد نفسه حقا.
وتتشابه شخوص التاريخ كما تتشابه حلقاته وأحداثه، فيبدو لك أن أدولف هتلر حلقة معادة من نابليون بونابارت. بل وربما يجنح البعض فى قراءة الأحداث التاريخية إلى درجة إدخال تعديلات بسيطة عليها، أو إغفال فصول بها، لصالح الاستنتاج النهائى الذى سيكون ساحرا بمقدار ما تتشابه أحداث مرحلتين فى التاريخ، كما جنح البعض فى تشبيه حكم الرئيس السيسى بحكم الدكتاتور التشيلى أوجستو بينوشيه عن طريق إسقاط بعض الاختلافات لتبدو التشابهات أكثر.
الحق أننا فى دراسة التاريخ نتعرض لسيرة بشر يتشابهون أكثر مما يختلفون، ونقرأ صراعاتهم على أرض لا تتغير كثيرا، وعلى موارد لا تتغير كثيرا، وخلافاتهم وتحالفاتهم على أفكار وفلسفات واتجاهات لا تتغير كثيرا، فإن تغيرت فهى لا تختلف كثيرا أيضا، ومن هنا فأى تشابه بين حلقة فى التاريخ البشرى وحلقة تالية أمر منطقى وطبيعى.
كان علماء الولايات المتحدة يسابقون الزمن للتوصل إلى سر القنبلة الذرية قبل الألمان الذين كانوا قد قطعوا شوطا طويلا فى هذا الحقل المخيف، وبعد أن أنهت أمريكا الحرب بقنبلتين ذريتين ألقتهما على هيروشيما وناجازاكي، بدأ هؤلاء العلماء سباقا جديدا مع العلماء الروس الذين سرقوا تصميمات قنبلة ناجازاكي، وصنعوا مثلها وجربوا تفجيرها فى 1949.
أصبح على العلماء الأمريكان أن يصنعوا قنبلة أكبر وأقوي، وكانت النتيجة أنهم صنعوا القنبلة الهيدروجينية، وهى قنبلة ذرية فى الأساس، لكن تفجيرها الثانوى يمر بأسطوانة بها وقود هيدروجينى سائل، وهو ما يضاعف الطاقة الناجمة عن القنبلة الذرية العادية عشرات المرات، كما أنه يحولها إلى قنبلة منتجة لقدر هائل من الطاقة.
وكان تفجير القنبلة الهيدروجينية «كاسل برافو» الذى أنتج طاقة توازى تفجير 15 مليون طن من مادة تى. إن. تى شديدة الانفجار، وكان قرار الاتحاد السوفيتى بصنع قنبلة أكبر بكثير من قنبلة أمريكا، وصدر الأمر إلى العالم السوفيتى «أندريه سخاروف» بصنع قنبلة هيدروجينية بقوة مئة ميجا طن.
وعكف سخاروف على المشروع الجديد ليكتشف خلال أشهر سرا جديدا من أسرار الأسلحة النووية، وهو أن كل ما يحتاجه لصنع قنبلة هيدروجينية أكبر هو أن يضيف إلى الأسطوانة القاتلة التى تضم بالفعل قنبلة ذرية وكمية من الهيدروجين السائل قنبلة ذرية أخرى.
واكتشف سخاروف أنه كلما زادت كمية اليورانيوم فى القنبلة النووية الثانية داخل القنبلة الهيدروجينية، كلما زادت شدتها الانفجارية، وأن هذه الزيادة لا سقف لها، بمعنى أن سخاروف يمكنه صنع قنبلة بقوة مئة مليون طن وأكثر، غير أن أكثر من ذلك يمكن أن يفلق القشرة الأرضية، ويخرج غباره إلى خارج الغلاف الجوى.
وقرر سخاروف ألا تزيد قدرة قنبلته على الخمسين مليون طن. وبالفعل، أجرى الاتحاد السوفيتى تجربته النووية التى كانت أضخم انفجار من فعل الإنسان فى تاريخ كوكب الأرض، وكانت القنبلة تحمل اسم «القيصر».
وأدرك سخاروف أن سباق التجارب النووية الذى أسهم بنفسه فى نقله إلى مستوى غير مسبوق سيسير بالبشرية نحو حتف محتوم، فانقلب الرجل على علمه وأصبح من أكبر دعاة وقف التجارب النووية.
ووقعت الولايات المتحدة وروسيا اتفاقية تقضى بوقف التجارب النووية للبلدين فوق الأرض حفاظا على الكوكب من آثار هذه التجارب إذا أجريت فى الأجواء المفتوحة، وحصل سخاروف عام 1975 على جائزة نوبل للسلام.
الطريف هو أن تتبع سيرة ألفريد نوبل نفسه تشير إلى سيرة تشبه إلى حد كبير سيرة سخاروف، فنوبل هو مخترع الديناميت، وهو نفسه الرجل الذى قرر أن يحول ثروته إلى حماية السلام العالمى على هيئة جائزة عالمية كبرى بعد أن رأى كيف أن اختراعه سيقود إلى هلاك البشرية.
والأكثر طرافة هو أن هناك جائزة كبرى باسم سخاروف، وهى جائزة تمنح للمناضلين فى مجال حرية الرأى والتعبير، وهو نفسه الحاصل على جائزة نوبل لنفس الغرض وبنفس السيرة الذاتية تقريبا.

Link