على غرار الأسئلة التى تستخدم فى تنمية معارف الأطفال وتثقيفهم، هل تعلم أن الهكسوس الذين كانوا أول محتل أجنبى فى تاريخ مصر، والذين ظلوا فيها قرابة ثلاثة قرون وتسببوا فى عصر الاضمحلال الأول بين الإمبراطوريتين الفرعونيتين الأولى والثانية، كانوا من قبائل الرعاة المهاجرة من الأناضول وآسيا الصغرى «إللى هى تركيا دلوقتى»؟
وهل تعلم أن الحيثيين – الذين حاربهم رمسيس الثانى لنحو أربعين سنة منذ أكثر من 1300 عام قبل الميلاد لصدهم عن غزو مصر – هم دولة نشأت فى منطقة آسيا الصغرى «إللى هى تركيا دلوقتى برضه»؟
وهل تعلم أن الباحثين والمؤرخين صكوا مصطلح «إبادة جماعية» خصيصا لوصف ما ارتكبته تركيا من مذابح وحشية ضد الأرمن والآشوريين والكلدان السريان واليونانيين والأكراد، سواء فى عصر سلاطين الإمبراطورية أو بعد الانقلاب على حكم تركيا الفتاة وسيطرة القوميين؟
وهكذا تدعو أبسط قراءة للتاريخ التركى، القديم والحديث، معا إلى الاستنتاج بوضوح أننا أمام دولة تسوق الفاشية القومية سياساتها منذ فجر تاريخها الممتد إلى ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد.
يقول التاريخ إن تركيا – دولة وثقافة – تعادى كل ما هو غير تركى، وإن تعريفها لما هو تركى يتجاوز العرق التركى نفسه الذى يستبعد الأرمن والأكراد والآشوريين وغيرهم من الأعراق التى جاوروها أو عايشوها، إلى وضع إطار طائفى رسمى أيضا يستبعد كل ما يخالف الطائفة السنية التى تتجاهل الدولة التركية ما عداها مهما بلغ حجمه أو تأثيره.
ويكفى أن نعرف أن العلويين الذين يمثلون أكثر من عشرين فى المائة من السكان بما يقارب العشرين مليون نسمة ليس لهم تمثيل فى رئاسة الشئون الدينية، وهى أعلى هيئة دينية فى تركيا، والتى تقتصر على المسلمين السنة كما تحرمهم الدولة من إقامة مجلس مذهبى خاص بهم، ولا تساهم فى تمويل إنشاء دور العبادة لهم كما تفعل للمسلمين السنة، وتجبر أبناء العلويين على دراسة المذهب الحنفى وترفض إضافة التعليم العلوى إلى مناهج التعليم.
ويأتى كل ذلك على الرغم من أن العلويين يساندون النظام العلمانى منذ نشأة جمهورية أتاتورك، وقدموا دعم هذا النظام على أى مطلب طائفى، إلا أنه حتى الوجود السياسى لهذه الطائفة الضخمة لا يزيد على بعض الأحزاب والتنظيمات التى لم يبرز فعلها السياسى، بل وتدهور أكثر وأكثر بعد صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002!
والسؤال الذى قد يبدو ساذجا ومحفوظ الإجابة، لكنه يفرض نفسه فى حالة كحالة تركيا هو: ما فائدة دراسة التاريخ؟.. والإجابة هى أننا ندرس التاريخ لنحسن قراءة الحاضر ولنتعلم الاحتياط فى المستقبل، ولولا هذه الفوائد لمعرفة تاريخ الأشخاص والأمم لكانت دراسة التاريخ عبثا لا طائل منه، أو ترفيها وفسحة للعقول لا ضرورة له.
نحن لا نظلم الثعالب إذا قلنا أن تاريخها ملىء بقصص العدوان على الدجاجات، وكذلك علينا أن نقرأ تاريخ تركيا على منهج قراءة تاريخ الثعالب لنتفهم موقفها من مصر ومن الشعوب العربية، ولنعرف حدود ما يمكن أن يربطنا بها من مصلحة، وحدود ما يجب أن يمنعنا عنها من عداء، وحدود ما يجب أن نتخذه تجاهها من حذر، لأن تاريخها يرشد إلى حاضرها كما يرشد حاضرها إلى مستقبلها.
وصحيح أن ضرورات السياسة تفرض خريطة العداءات والتحالفات والخصومات والمصالحات بين الدول، وصحيح أن هذه الضرورات تبيح محظورات سياسية واقتصادية عدة، لكنها يجب ألا تتيح نسيان الحقائق التى أثبتها التاريخ عشرات المرات على الدول عدوة كانت أو حليفة والحقيقة التاريخية فى حالة تركيا تفيد بأنها قوة استعمارية غاشمة تقودها فاشية قومية دموية لا تراعى مواطنة أو جيرة، وتحكمها جماعة فى تاريخها من روايات سرقة الدجاج أكثر مما فى تاريخ مملكة الثعالب.