عندما تكلم الرئيس عبدالفتاح السيسى فى افتتاح دورة التثقيف التى عقدتها القوات المسلحة قبل أيام، قال كلاما كثيرا بدا لى أنه يعنى بأغلبه كلاما غيره، وبدا لى أن الرجل يحتاج إلى ترجمان يترجم باطن الكلام إلى ظاهر.
لندع جانبًا الكلام الذى قاله عن نية الدولة التدخل بكل ثقلها، بما فى ذلك ثقل القوات المسلحة، فى معالجة ارتفاع الأسعار، وما قاله بخصوص السيطرة على مشكلة الغاز الطبيعى الذى تحتاجه المصانع، أو ما يتعلق بتعزيز الأمن الجنائى خلال المرحلة المقبلة، ولنركز فيما يخصنا فى هذا الخطاب الرئاسي، وهو ما قاله الرئيس عن الإعلام ودوره.

بادئ ذى بدء، يبدو بلا شك أن الرئيس ضائق بالمنظومة الإعلامية كلها، بداية من فلسفتها وأساسها الفكرى ودائرة مصالحها وانتهاء بأدائها المهنى لوظائفها، وأن هذا الضيق قد ولد خلافا – هو الآن خلاف صريح ومعلن – بين مؤسسة الرئاسة وبين الإعلام.
وخطورة هذا الضيق هو أنه إذا قرئ من زاوية الصحفيين والإعلاميين سيفسر على أنه عداء لحرية الرأى وحرية النقد والتوجيه، حيث إن الظاهر – وما قاله بعض الصحفيين – أن الرئيس يعين نفسه مرشدا أعلى للدولة، ويرى أن من حقه أن يوجه الإعلام إلى فلسفة ما متجاوزا دوره التنفيذى الذى يلزمه به الدستور وأحكام منصبه.
لكن ما قاله السيسى ضمنًا، ولا أعرف لماذا لم يصرح به مباشرة ولماذا لم يجعله صلب خطابه هذه المرة، هو أنه يعرف أنه يخاطب منظومة إعلامية مهترئة لا يمت أغلبها بأى صلة دم أو مصاهرة لما يجب أن يكون عليه الإعلام، ولا تحركها مصلحة عامة بقدر ما يحركها حكم المصالح الشخصية والتربيطات والشللية والضرب لحساب الغير، ولا تعرف عن المهنية إلا بمقدار ما تعرف الضباع عن الرحمة وما تعرف الأرانب عن الشجاعة.
وما قاله ضمنًا أيضا، هو أنه يدعو إلى إعلام «يعطى الأمل للناس»، وهذا هو قلب الخلاف بين الرئيس وإعلام بلاده.. هنا مربط الفرس الذى يباعد يومًا بعد يوم الشقة بين السيسى والإعلام فى مصر بأجنحته.. الخلاف على تعريف الإيجابية فى دور الإعلام.
فالجماعة الإعلامية ترى أن دورها هو تغطية أنباء الكوارث والمصائب وأنباء الغرقى والحرقى والهدمى إضافة بالطبع إلى أنباء الفضائح، وترى أنها إذا غطت نبأ إيجابي، كبناء جسر أو حفر ترعة أو اكتفاء من مورد من الموارد أو حل لمشكلة من المشاكل، فهى بذلك تتحول إلى صحافة طبل وزمر ونفاق.
ويرى الرئيس أن الإعلام يجب أن يكون إيجابيًا، بأن يساهم فى بناء الأمل عن طريق الالتفات إلى الإيجابيات كما يلتفت إلى السلبيات، وهو ما يعنى أن يقف على حياد كامل من السلطة لا على يسارها، وهو مكان وقوف تأباه الجماعة الإعلامية، حتى الذين ينحازون منهم إلى السلطة فعلا لا يقبلون إلا أن يصنفوا على أنهم ممن يقفون على يسار السلطة ولا يرون إلا سلبيات ما تعمل.
لكن الصحافة الإيجابية تيار جديد يشق طريقه فى الصحافة العالمية تحت ضغط من رغبة الجمهور المستهلك للخدمة الإعلامية فى خفض جرعة الأخبار السلبية وزيادة حصة الترفيه والأنباء غير السياسية على ما عداها.
وليس من المتوقع أن يتحمل الجمهور مقدار السلبية الذى يهب عليه من وسائل الإعلام منذ حرب الخليج الأولى وحتى اليوم، حتى أصبحت هذه الوسائل أحد أهم مصادر الاكتئاب وأهم مصانع اليأس والإحباط والقلق من المستقبل.
وليس من المتوقع أيضا أن تعيش صناعة الإعلام فى غياب الجمهور، كما أنها لا يمكن أن تعتمد كثيرا على السلبيين الذين تصنعهم وتحولهم إلى مستهلكين لإعلام الفضائح والأعراض المهتوكة والمعارك الشخصية.
هذا يعنى أن الرئيس يدعو إلى تيار بدأ بالفعل وليس مستحدثًا، كما أنه تيار فى طريقه إلى فرض سيادته الكاملة على الإعلام فى العالم كله، وهذا بحكم ضرورات المهنة ولو لم تقبل به الصناعة فهى تحتاجه.
لقد قال الرئيس إنه سيخوض معركة هو على يقين أنه سيكسبها حتمًا.

Link