التأم مجلس النواب أخيرا ليكون لهذا البلد برلمان بعد سنوات من التعطل التشريعى، ولتنتهى الخطوة الأخيرة من خارطة الطريق التى جاءت بها ثورة الثلاثين من يونيو ولله الحمد.

واجتمع نواب الشعب للمرة الأولى فى الجلسة الإجرائية التى يحلفون فيها اليمين الدستورية بالله العظيم أن يحافظوا مخلصين على النظام الجمهوري، وأن يرعوا مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن يحترموا الدستور الذى ينص فى مادته الثانية على أن اللغة العربية هى اللغة الرسمية للبلاد.
وكانت الافتتاحية قاصمة، وكان أول القصيدة كفرا بهذا النص الدستورى الذى كغيره من مواد الدستور – لم يكتب عبثا، وإنما جاء فى صدارة مدونة الدستور ليحفظ على الدولة من ضمن ما يحفظ هويتها الثقافية والحضارية، وهى الهوية التى تشكل اللغة رأس حربتها وبوابة مظهرها وجزءا لايتجزأ من جوهرها الإنساني.
أخطأ نواب المجلس بالأغلبية الكاسحة فى تشكيل نص اليمين الدستورى أخطاء قاتلة، فنصبوا المرفوع وجروا المنصوب وسكنوا المتحرك وحركوا الساكن، وارتكبوا بحق اللغة التى يقسمون على احترامها بحكم الدستور جريمة ذبح صريحة.
ولما كانت العزائم تأتى على قدر أهل العزم، فقد استهل الوكيل الثانى للمجلس اليوم الثانى لانعقاد مجلس النواب بخطأ فادح كرره ثلاث مرات فى قراءة آية من آيات الذكر الحكيم يحفظها القاصى والداني، بل إننى أعرف من غير المسلمين من يحفظها عن ظهر قلب بتشكيلها وبأحكام قراءتها!
ولتزيد المأساة بعدا تراجيديا جديدا يكون هذا النائب نقيبا للأشراف الذين جاء جدهم ومصدر شرفهم صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن من لدن عزيز حكيم!!
والأنكى من هذه الأخطاء الفادحة هو أنها وجدت من يبررها ويدافع عن وجودها، وكأن الأخطاء نفسها جزء من كنه النظام السياسى الذى يستلزم الولاء له اختلاق الأسباب لأخطاء تخرق عين شمس كتلك التى أجمع عليها نواب المجلس الموقر فى جلستهم الأولي.
فيقول قائل هنا أو هناك إن التدقيق فى أمر سلامة اللغة شيء من قبيل التزيد والحنبلة، وأن الجوهر أهم من هذه الشكليات وهذا قول يختلط فيه الجهل بالتجهيل، والضلال بالتضليل، فلا لغة البلاد مسألة شكلية، ولا عطب قواعد هذه اللغة عند أغلبية نواب يمثلون شعب مصر مشكلة سطحية، ولا ما عكسه كل ذلك على هيئة وجدية وكفاءة السلطة التشريعية بالشيء الهين العابر.
دع عنك الاهتمام بصورة دولة يمثلها برلمان كامل مشكوك فى مستوى تعليم أغلب نوابه إلى درجة الإعدادية، وانظر كيف سيكون الخطر على مادة التشريع نفسها إذا وضعت بين أيدٍ بدا أنها جاهلة باللغة، وهى المادة التى تقوم أصلا على دقة الصياغة اللغوية وضبط اللفظ.
ومادام الشيء بالشيء يذكر، فالآفة ذاتها قد ألمت برجال الدولة جميعا وبسلطاتها الثلاث، من أدناها إلى أعلاها، وباستثناء المستشار عدلى منصور، لم أسمع على مدار سنوات طوال مسئولا تنفيذيا أو تشريعيا أو قضائيا ينطق بلسان عربى سليم دون خطأ فى النحو أو الصرف أو المعني، بل كان الغالب أنهم من سفاحى اللغة ومهدرى قيمتها وكرامتها.
مصر دولة قائدة فى العالم العربي، وهناك رابط نفسى واضح بين احترام العرب لبعضهم البعض وبين سلامة لغتهم، وبالطبع لاينسى أحد مقدار ما تمتع به الملك الحسن الثانى أو الملك حسين رحمهما الله من احترام بسبب إتقانهما المميز للغة العربية، فى مقابل ما يجلبه لنا مسئولونا من سخرية واستهزاء بسبب جهلهم بلغة الدائرة الجغرافية والحضارية التى يسعون لقيادتها.
صحيح أن مجلس النواب يمثل الشعب الذى انهارت منظومته التعليمية خلال سنوات طويلة إلى مستوى الأمية الفاضحة بين خريجى الجامعات، لكن خطورة وحساسية المنصب التشريعى – والتنفيذى والقضائى بطبيعة الحال – تستدعى تدخلا بحل عاجل لإصلاح ما يمكن إصلاحه ولو عن طريق مجموعات تقوية.
وإذا كان السادة النواب المحترمون لايرون عيبا فى الجهل ويرون عيبا فى مجموعات التقوية، فالكارثة حينها أكبر من أن يسعها هذا المقال.

Link