لا يمر يوم إلا تزداد فيه قناعتى بأن حكم الإخوان ما كان يصلح لمصر، فكل يوم يسوق دليلا جديدا على فشل هذه الثلة المدعية وضلالها وعجزها عن أقل من الحد الأدنى مما تحتاجه شركة متوسطة الحجم، لا دولة فى حجم مصر قدرًا ونوعًا.
يكفى أن عامين مرا على فض اعتصام رابعة ولم تحدث مراجعة واحدة داخل الجماعة تفيد بأن قيادة ما أو كادرًا ما شعر بأى قدر من الرغبة فى المراجعة، واتته ذرة شجاعة على الاعتراف بأن قادة الجماعة ساقوا جناحًا من المتعصبين والمتعاطفين مع الجماعة إلى المحرقة دون دافع إلا خلق كربلائية يتاجرون بدمائها للدعاية لهدف سياسى سقط بالفعل، وليس هناك أمل أن يعود.
يكفى أن تعليقات أطراف هذه الجماعة على شبكات التواصل الاجتماعى تفضح كل يوم فكرًا مترديًا، وعاطفة حاقدة، ونفسيات كارهة عاضبة، ويكفى أن تتصور أن تصبح هذه الصفات القبيحة صبغة عامة لشباب هذا البلد إذا حدث لا قدر الله أن اصطبغت مصر بصبغة هذه الجماعة.
يكفى أن الجماعة لم تطرح حتى هذه اللحظة أى حل – ولو وهمى أو على الورق – لأزمتها السياسية، سواء أزمتها الداخلية كجماعة بلا اتجاه ولا هدف، أو للأزمة السياسية فى البلد الذى أفلحت الجماعة فى شق صفه السياسى، واستقطاب جهلائه ومتعصبيه وموتوريه ومطاريده والمنتفعين، وتخوين كل مؤمن وطامح ومتفائل بأى مستقبل، فإما أن تولى وجهك شطر يأسهم وكآبتهم، وإما أن تكون ضحية لملاسناتهم العقيمة الغبية، وشتائمهم ولعناتهم التى يستمطرونها عليك من السماء التى لا تستجيب لهم.
هكذا كانت التجربة الكاملة لحكم الإخوان فى مصر لوحة من العك السياسى والإدارى، ومن الارتجال والمزايدة على حلقات الفشل المتكررة، والتبريرات الخائبة للأخطاء والخطايا، وكانت تجربة سقوطهم دليلاً على أن سقوطهم كان واجبًا، وكان تعاملهم مع أزمتهم خير دليل على أنهم لا يصلحون لإدارة أى أزمة مهما سهلت فى بلد ليست فيه إلا الأزمات.
الأسوأ من كل ذلك هو أن الجماعة لا تدركه، وإن كانت تدركه فتلك مصيبة، وإن لم تكن تدركه فالمصيبة أعظم، فهم كالمريض الذى يرفض الاعتراف بتشخيص الأطباء، ويصر على علاج نفسه بنفسه بلا علم ولا بينة.
الأسوأ من كل ذلك هو أن الجماعة تقوم كل يوم بخطوة طاردة لكل مؤيد أو مساند أو حتى متردد مازال يستشير عقله لمساندتهم، فهم يعملون بدأب التدمير الذاتى على استعداء المجتمع وكسب مساحات لا رتق لها من الضغينة وقدر لا بأس به من ديون الدم التى يصعب، بل يستحيل التصالح عليها يومًا ما.
لا يمكن التجاوز عن السؤال المنطقى: كيف قبل المصريون بحكم الإخوان فى الأصل، وكيف جاءت بهم أصواتهم؟.. وإذا أجيب عن هذا السؤال بأن الظروف العامة لمصر حينها قادت إلى هذا الاختيار الذى لم تكن له بدائل، فليست هناك إجابة لدى الذين مازالوا يؤيدونهم على السؤال المنطقى أيضا: كيف يمكن أن يقبل المصريون بحكم الإخوان مرة ثانية؟
لقد سقطت الفكرة من أصلها لأنها ساقطة منذ البداية، لم تكن صالحة يوما ما إلا بالوهم والإيهام، لم تكن هناك خطة لتفشل، ولم تكن هناك نية للنجاح كى تحبط أو كى تطيح بها مؤامرة داخلية أو خارجية، لقد هزم الإخوان أنفسهم ومازالوا يضحكون على أنفسهم، ويواصلون الضحك على أبنائهم وعلى أنصارهم.
لم تستفد الجماعة من ثمانين عامًا من التخطيط والتدبير تحت ستار السرية، وتجلى واضحا أن السرى فى الأمر لم يكن أكثر من خيبة معلبة فاحت رائحتها النتنة بمجرد أن انفتحت فى أول تجربة سياسية، على الرغم من أنها كانت تجربة على هيئة فرصة ذهبية يحلم بها أى تيار سياسى، لكن الجماعة آثرت أن تستأثر بالفرصة وتحجر على آمالها وتعض على قضمة أكبر كثيرًا من قدرتها على المضغ.

Link