فكر سائقو التاكسى الأبيض فى كل شىء، واستخدموا كل الأدوات الصحيحة، لكنهم لم يصلوا إلى الحل الصحيح الذى يقيهم شر غزوة أوبر وكريم.
تواصل سائقو التاكسى معا، ونظموا وقفات احتجاجية متعددة تدل على وجود خيط تنظيمى فيما بينهم لو تم توظيفه بشكل إيجابى لصنع فارقا فى حياة هذه الفئة، وقاموا بعمل جماعى بناء على رأى متفق عليه ومصلحة مشتركة، وهذا كله تركيب معقد لا تصل إليه الجماعات البشرية غير المنخرطة فى أحزاب أو جمعيات أو تنظيمات بسهولة.
معنى ذلك أن جماعة سائقى التاكسى الأبيض يمتلكون عقلا جمعيا يربطهم ويفكر لهم، ويدافع عن مصالحهم، كما أنهم على استعداد للاصطفاف وراء نداء هذا العقل للقيام بما يتطلبه الأمر كى يحافظوا على لقمة عيشهم ممن يرونه متطفلا عليها.
الأزمة إذن ليست فى وجود العقل الجمعى للجماعة الإنسانية تلك من عدمه، ولكنها فى رؤية هذا العقل فى مسألة صيانة لقمة العيش، والحلول التى يطرحها على هيئة مطالب موجهة للحكومة.
يفكر سائقو التاكسى فيما يبدو كما تفكر الدولة المصرية دائما عندما تواجهها أزمة، فأقرب الحلول فى عقل الدولة الحلول الأمنية، أيا كان نوع الأزمة، فكأنها دولة تفكر بسلاحها لا برأسها.
فإذا علمت الحكومة المصرية أن صخرة سقطت على رأس الأهالى فى الدويقة لم ترسل فرق الإنقاذ، وإنما أرسلت قوات الأمن المركزى لمحاصرة الصخرة، وإذا علمت أن فيروس إنفلونزا الطيور ظهر فى مزرعة للدجاج لم ترسل أطباء الحجر الصحى وفرق مكافحة الأوبئة، وإنما أرسلت قوات الأمن المركزى لمحاصرة الدجاج.
كذلك فكر سائقو التاكسى الأبيض أن الحل الوحيد لمواجهة منافسة أوبر وكريم هو استصدار قرار أمنى من الحكومة التى لا ريب ستتحسس سلاحها قبل أن تتحسس رأسها.
وكان على العقل الجمعى لطائفة سائقى التاكسى، كما على الحكومة إذا أرادت حل أزمة هذه الطائفة، أن يتجه إلى مستهلك الخدمة لا إلى الحكومة، ويحاول أن يستصدر من هذا الراكب قرارا بأنه سيقاطع أوبر وأخاه كريم، وأنه لم يرض عن التاكسى الأبيض بديلا، لا بحكم القانون ولا بفرد الذراع ولا برفع الصوت، وإنما بجودة الخدمة التى يتلقاها الراكب، التى يترك من أجلها أحضان التاكسى الأبيض إلى أحضان القادمين الجدد من بلاد ما وراء الأندرويد.
ماذا لو فكر العقل الجمعى لسائقى التاكسى الأبيض أن يجمع أفراد الطائفة فى شركة كبرى للتاكسى؟ وهى فكرة قد تحول عددا من سائقى التاكسى الفرادى إلى كيان اقتصادى قادر على فرض تقاليده وضبط مصالحه بصوت موحد وقانونى، وهى بالتأكيد فكرة أكثر حكمة من جمع أفراد الطائفة فى مظاهرة أو مشاكسة أو احتجاج.
ماذا لو فكر العقل الجمعى لسائقى التاكسى الأبيض فى استبدال خدمتهم التى نفرت الراكب بخدمة متطورة إنسانية لا تتضمن التحرش بالإناث، ولا تتضمن التدخين بأنواعه فى التاكسى، ولا تتضمن اختيار السائق للراكب والمشوار بناء على حالته المزاجية وانتقائيته التى لا تراعى الراكب ولا رغبته ولا اتجاهه.
كان من الممكن أن يجمع سائقى التاكسى الأبيض على هذه الخطوات الإيجابية نفس ما جمعهم على أفكار التظاهر والاحتجاج وصناعة الزحام والضغط على الحكومة من أجل استصدار قرار.
ولايزال من الممكن على الحكومة التى بدأت بالفعل فى تشكيل لجان للنظر فى الأمر وفحصه ومراجعته أن تضع فى الحسبان أنها تعالج مشكلة لها طرفان، طرف منهما جماعة السايقين وملاك التاكسى الأبيض والمستفيدون منه الذين يجب مراعاة مصالحهم، والطرف الثانى هو الراكب الذى يستحق خدمة أفضل.
كما أنها لاتزال من الممكن أن تفكر فى حل للأزمة غير الحلول الأمنية المعتادة، وبدلا من الاستسهال بالمنع والحجب درءا للنزاع، فهى مسئولة عن الجماعتين معا بذات الدرجة، وربما كانت مسئولة عن الراكب أكثر مما هى مسئولة عن السائق.. لذا فقد لزم التنويه.