تعانى مصر مشكلة أمنية مؤرقة بسبب الأنفاق التى تمر تحت حدودها الدولية بينها وبين قطاع غزة التى ينقل عبرها المهربون سلعا وبضائع وأشياء أخرى ترى مصر أنها قد تضر بأمنها، ولا تملك أى جهة فى العالم الحق فى تبرير وجود هذه الأنفاق ولو بدعوى الإنسانية، لأن العمل الإنسانى يمكن أن يكون شرعيا وظاهرا وصريحا بينما تستخدم هذه الأنفاق فى جريمة من الجرائم التى يطلق عليها أهل القانون مصطلح «الجريمة العالمية» التى لا يحق لأى جهة ذات شرعية أن تقبلها أصلا.

عليه فقد قام الجيش المصرى بإغراق الحدود بين مصر والقطاع بمياه من البحر المتوسط ضخها بكميات كبيرة داخل أنابيب عملاقة بها مئات الثقوب كانت قد مدت فى وقت سابق داخل خندق ممتد على طول الحدود بين الأراضى المصرية وقطاع غزة فى مشهد يشبه عملية رى بالتنقيط لكنها على نطاق ضخم.
وأدى ذلك بالطبع إلى تدفق المياه بغزارة داخل عشرات الأنفاق التى كانت تستخدم لتهريب المواد الغذائية والأدوية ومواد البناء من الجانب المصرى إلى القطاع، ما دفع أصحاب بعض هذه الأنفاق لاستخدام مضخات لسحب المياه إلى خارج أنفاقهم، فى محاولة لمنع انهيارها فى إجراء حدث من قبل فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى عندما هدم الجيش المصرى الأنفاق الممتدة تحت الأرض بإغراقها بمياه الصرف الصحي، وكان الجيش حينها تحت قيادة الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وكانت الأنباء المتناقلة حينها تنص على أن «وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى أكد فى آخر لقاء جمع بينه والدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية، أن هذه الأنفاق تشكل خطرا واضحا على الأمن القومي، ولا يمكن الرجوع عن استكمال خطة هدمها».
وهذه اللهجة وهذا التعامل من جانب القوات المسلحة، حتى فى عهد مرسى الذى لم يتدخل للدفاع عن مصالح حلفائه فى حماس، مؤشر على أن الجيش كان يتصرف فى أمر من أمور الأمن القومى الصريحة التى لا تحتمل المواءمة ولا الليونة أو المراوغة أو التأجيل.
هذا هو أمن مصر على حدودها الدولية ولها أن تتصرف فيه كيفما يتراءى لها، لكن وكالة الأناضول للأنباء ذات النزوع الإخوانى جنحت فى تغطيتها إلى مظهرين كل منهما أشد من الثانى غرابة، أولهما بنقلها تصريحات لأشخاص قدمتهم بصفة «أصحاب أنفاق»، وكأنها تقدم للرأى العام أشخاصا يقومون بعمل مشروع ويشكون من ضغوط السلطات المصرية عليهم، وهى مغالطة تضيف الكثير من الظلال على مهنية الوكالة المشوهة أصلا.
أما الثانى فهو أنها أوردت رأيا «علميا» فلسطينيا يتحدث عن خطورة ما تقوم به مصر، ونقلت عن رئيس سلطة المياه الفلسطينية فى قطاع غزة تحذيره من خطورة ضخ المياه المالحة على خزان المياه الجوفية المشترك بين مصر والقطاع، وهو رأى «علمى» مجازا منسوب إلى طرف صاحب مصلحة فى بقاء الأنفاق، وكان من الأولى أن يكون المتحدث باسم العلم فى هذه المسألة محايدا أو متوازنا بين الطرفين.
والمثير للاشمئزاز المهنى هو أن نفس الوكالة نشرت فى صفحتها الرئيسية قصة صحفية عنوانها: «إسرائيل تسمح لمزارعى غزة باستصلاح أراضيهم الحدودية لأول مرة منذ 15 عاما!».. ورغم أن متن الخبر ينسب الفضل فى هذا الاتفاق إلى الصليب الأحمر، فإن عنوان القصة ينسب فعل السماح نفسه لإسرائيل، على الرغم من أنها أراض تابعة للقطاع بالفعل، وتحتلها إسرائيل بقوة السلاح من جانب واحد بالمخالفة لنص اتفاقية أوسلو.
ونسقت الوكالة لمدة شهر مع الجيش الإسرائيلى للحصول على فرصة للعمل الصحفى من داخل المنطقة العازلة المحتلة، وهى إشارة متروكة لفطنة القارئ مع ما سبق لاستقراء نوايا ما تنشره مثل تلك الدكاكين الصحفية المشبوهة.

Link