تحدث وزير قطاع الأعمال العام، السيد أشرف الشرقاوى، فى إحدى جلسات مؤتمر الشباب الدورى الرابع الذى استضافته مدينة الإسكندرية عن نجاح شركات القطاع العام فى تحقيق أرباح لأول مرة منذ عام ٢٠٠٧، وقال إنه يتوقع أن تحقق هذه الشركات أكثر من ستة مليارات جنيه عن العام المالى المنتهى فى ٣٠ يونيو ٢٠١٧.
ولمن لا يعرف، فالدولة تمتلك عددا من شركات القطاع العام تضمها ثمانى شركات قابضة، الشركة القابضة للتشييد والتعمير، والشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما، والشركة القابضة للغزل والنسيج والشركة القابضة للصناعات الكيماوية، والشركة القابضة للصناعات المعدنية والشركة القابضة للنقل البحرى والبرى، وشركة مصر القابضة للتأمين، والشركة القابضة للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية.
وظلت هذه الشركات تخسر المليارات على مدار أكثر من عشرين عاما، وتزايدت خسائر الخاسر منها لتطغى على أرباح القطاعات الرابحة.
والأسوأ أن هذه الخسائر الضخمة أكدت الصورة الذهنية التى تراكمت عن القطاع العام خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك، والتى تفيد بأن القطاع العام خاسر من حيث المبدأ، وبأنه عصى على أى إصلاح، وبأن الأفضل للدولة هو أن تتخلص منه بأقصى سرعة لوقف نزيف الخسائر.
وتمكنت حكومات مبارك المتعاقبة من استغلال هذه الصورة الذهنية فى بيع شركات القطاع العام بأثمان زهيدة، وبشروط مجحفة لا تتناسب إطلاقا مع ما امتلكته هذه الشركات من أصول.
ولم يشهد التاريخ حتى الآن اقتصادا تمكن من تحقيق نهضته دون قطاع عام قوى أو قطاع خاص يقوده آباء للصناعات يعرفون معنى بناء نهضة اقتصادية وطنية حقيقية تكون هدفهم الأول لا تحقيق الأرباح.
وكانت نهضة مصر الاقتصادية فى مطلع القرن العشرين تقوم على أكتاف آباء الصناعات، ومن بينهم طلعت باشا حرب، رائد الاقتصاد الوطنى، ورجال آخرون قاد كل منهم قطاعه الصناعى والتجارى بمنطق الرواد المؤسسين، ومن بينهم محمد سيد ياسين، رائد صناعة الزجاج، وطاهر اللوزي، رائد صناعة الحرير، وعبود باشا، رائد النقل البحري، وأبو رجيلة، رائد النقل البري، وغيرهم كثيرون.
وكانت هذه الصناعات بذرة القطاع العام المصرى بعد أن قامت دولة يوليو بتأميم الصناعة، لكنها أنشأت إضافة لهذه البذرة عددا هائلا من المصانع والشركات التى غطت كل القطاعات الاقتصادية، ومن بينها مصانع الحديد والصلب والألومنيوم والكيماويات والبلاستيك والغلايات والأجهزة الكهربائية وغيرها.
وقاد هذا القطاع العام القوى النهضة الاقتصادية على مدار عشرات السنين حتى دخلت مصر مرحلة التحول إلى الاقتصاد الحر، وعندها تبنت الدولة نهجا عجيبا حقا، وهو زرع الكراهية للقطاع العام فى نفوس المواطنين وكأنه كيان معاد!
وربما نتفق أو نختلف على جدوى القطاع العام فى البنية الاقتصادية لأى دولة، بين مؤيد لتدخل الدولة الكامل فى الأنشطة الاقتصادية ومعارض، لكن الاتفاق على كراهية ممتلكاتنا كان ظاهرة غير مسبوقة.
وظلت الصورة الذهنية لقطاع الأعمال العام قائمة حتى اليوم، ومن السهل جدا أن يتحول أى حديث عن تطوير القطاع العام إلى مادة للسخرية أو الانتقاد. لكن ما حدث من تغييرات – أعتبرها محدودة – فى قطاع الأعمال العام، وأدى خلال عامين ماليين إلى تحقيق القطاع إلى أرباح مضاعفة لم تتحقق منذ أكثر من عشرين عاما، لهو التأكيد على أن هذا القطاع الحيوى قد قتل عمدا مع سبق الإصرار والترصد، ولم يمت منتحرا كما خدعتنا دولة مبارك لسنوات.
أسقط القطاع العام القوى فى وقت لم يكن فيه آباء للصناعات، فتحولت مصر على الفور إلى اقتصاد ريعى يستهلك ولا ينتج، وإذا أنتج شيئا فهو لا يخدم مصالح مصر القومية، ولا يسهم فى قدراتها على المنافسة، بلا ولا يحقق لها الكفاية.
وأفرغت الساحة لنظام الحديد والسيراميك الذى حكم مصر عشر سنوات على الأقل، وبدأ الاقتصاد المصرى رحلة انهيار سريعة توجتها حركة يناير بضربات تعجيزية للاقتصاد الريعى نفسه، فانهار قطاع السياحة وتراجع قطاع التشييد والبناء وتقلص النشاط فى كل القطاعات الأخرى ووصلنا إلى ما نحن عليه.
ربما تكون إعادة الحياة للقطاع العام أحد أهم إنجازات دولة يونيو التى لم تحظ بأى تغطية إعلامية، فهى خطوة من الخطوات الصحيحة التى كانت مطلوبة لإعادة الاقتصاد المصرى إلى قدرته الإنتاجية المؤثرة.