استغل الاتحاد السوفيتى تصاعد العداء بين الولايات المتحدة وكوبا فى محاولة لسد الهوة فى التوازن العسكرى بين موسكو وواشنطن، واستخدم الأراضى الكوبية التى تبعد عن الساحل الأمريكى الجنوبى الشرقى أقل من مائة ميل فى نشر صواريخ نووية متوسطة المدى يمكنها أن تطال كل مدينة أمريكية كبرى عدا سياتل.

وشعر فيديل كاسترو بالعرفان للاتحاد السوفيتى الذى بدا وكأنه يورط نفسه فى حرب مع الولايات المتحدة نيابة عن كوبا، وقال: «إذا توقعنا أن يحارب السوفييت نيابة عنا وأن تتحمل مخاطرات نيابة عنا فسيكون من غير الأخلاقى ومن الجبن أن نرفض وجود هذه الصواريخ عندنا».
وفى يوليو 1962، وتحت سمع وبصر واشنطن، وصلت أول سفينة حربية سوفيتية من أصل مائة وخمسين سفينة حملت الصواريخ النووية متوسطة المدي، وثلاثة وأربعين ألف جندى سوفيتي، وكل ما يلزمهم من السلاح والعتاد وأجهزة الرصد ومعدات بناء منصات الإطلاق للصواريخ التى حولها قرب المسافة إلى أسلحة استراتيجية قادرة على قلب ميزان القوة فى الحرب الباردة.
وأبلغ عملاء المخابرات المركزية الأمريكية إدارتهم بأن قوات روسية وشاحنات عملاقة تحمل صواريخ قد شوهدت فى كوبا، لكن واشنطن كذبت هذه المعلومات وقالت إنها شائعات محضة.
لكن طيران الاستطلاع الأمريكى لاحظ النشاط الزائد فى حركة السفن السوفيتية المتجهة إلى كوبا، وفى 14 أكتوبر 1962 التقطت طائرة تجسس أمريكية من طراز U2  صورا للأراضى الكوبية، وفهم محللو التصوير الجوى من الأجسام الغريبة على البيئة الكوبية أن صواريخ SS4  الباليستية قد نصبت فى مواقع متعددة فى كوبا.
وبعد يومين فقط من التقاط الصور الجوية، أبلغت المخابرات الأمريكية الرئيس الأمريكى جون كيندى بأنها تحققت بما لا يدع مجالا للشك من أن موسكو قد نصبت صواريخ نووية فى كوبا، وكانت هذه هى المرة الأولى التى ينصب السوفييت صواريخ نووية خارج إقليم الاتحاد السوفيتي.
وجمع كيندى مستشاريه على الفور فى اجتماع صباحى مبكر فى البيت الأبيض، ولم يطل هؤلاء التفكير فى دوافع موسكو للإقدام على هذه الخطوة الكبيرة، فواشنطن كانت قد نشرت صواريخ شبيهة قبل وقت قصير فى تركيا التى تقع على الحدود الجنوبية الغربية للاتحاد السوفيتي.
وطرحت كل الحلول على الطاولة فى هذا الاجتماع، فكان توجيه ضربة جوية لمواقع الصواريخ النووية فى كوبا أول الخيارات، بينما اقترح اليمينيون من مستشارى كيندى غزو كوبا بالكامل، والإطاحة بحكم كاسترو واستخلاص كوبا من الشيوعيين تماما، بينما كان روبرت كيندي، شقيق الرئيس وأقرب مستشاريه أقرب ميلا إلى حل دبلوماسى يمكن التوصل إليه عن طريق مباحثات ثنائية مع موسكو، أو عبر الأمم المتحدة.
فقد كان روبرت كيندى يرى أن إقدام الولايات المتحدة على غزو أو قصف كوبا سيقلب العالم على واشنطن التى سيبدو وكأنها تبادر بعمل عدائى ضد بلد مسالم كمقدمة لجر العالم إلى حرب عالمية ثالثة، وكان روبرت يخشى أن يسقط شقيقه فى هذا الخيار التاريخي.
وقاد انتهاج الحل الدبلوماسى إلى اجتماع فى البيت الأبيض جمع الرئيس كيندى بوزير الخارجية السوفيتى أندريه جورميكو وشيخ الدبلوماسية السوفيتي، سفير موسكو فى واشنطن أناتولى دوبرينين، وهو الاجتماع الذى أصر فيه جورميكو ودوبرينين على أن كل الأسلحة التى شحنتها موسكو إلى كوبا أسلحة دفاعية.
ورأى وزير الدفاع الأمريكي، روبرت ماكنامارا، أن موسكو تتحايل، وأن التهاون مع هذا النهج الخداعى سيقود فى المستقبل إلى مزيد من الخطوات العدائية من هذا النوع، وبعد أيام من التفكير والتشاور، استبعدت واشنطن خيارى القصف والغزو، وقررت فرض حصار كامل على كوبا أطلقت عليه إدارة كيندى اسم «الحجر الصحي».
بينما استعدت القوات الأمريكية بدرجة التأهب القصوى لغزو كوبا فى حالة فشل الحصار الذى كان تكملة للحظر التجارى الذى فرضته واشنطن على كوبا قبل أشهر من إعلان الحصار الكامل، وهو الحظر الذى استعد له كيندى بشراء 1200 سيجار كوبى عشية إعلانه.
وللحديث بقية فى المقال القادم إن شاء الله..

Link