اجتاحت أمطار بدايات الشتاء الإسكندرية وعدة مدن أخرى فى حوض المتوسط، ونظرا لكثافة الأمطار غرقت هذه المدن، وفاضت المياه لتقطع الشوارع وتملأ الأنفاق، ولتنتج صورا مزعجة تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعى لتلك المدن التى تحولت إلى بحيرات مفتوحة تسبح فيها السيارات ويغرق فى شوارعها المارة.

لم تكن الإسكندرية المدينة الوحيدة التى غرقت بسبب هذه الموجة السخية من الأمطار، فبيروت غرقت ومن قبلها ساحل الريفييرا الفرنسى السياحى الشهير، لكن الفارق هو أن الإسكندرية هى المدينة الوحيدة التى تغرق كل سنة.. بل هى المدينة الوحيدة التى تغرق للمرة الثالثة فى هذا الموسم وحده.
لا حرج فى أن تغرق مدينة بمياه الأمطار مرة أو مرتين فى العمر، ما دامت هذه المرة فى عداد الطوارئ أو الكوارث الاستثنائية، لكن الحرج هو أن تغرق مدينة رئيسية، هى العاصمة الثانية لمصر، ولها قيمتها التاريخية والحضارية العريقة، فى أمطار موسمية ليست أكثر من استفتاح لموسم الشتاء القادم.
تحدث الرئيس السيسى بعد الاجتماع الطارئ للحكومة بكامل هيئتها عن ضرورة تحديث سياسة الحكومة فى التعامل مع الأزمات، والحقيقة الأكثر مرارة هى أن الحكومة تحتاج إلى هيكلة لسياساتها فى التعامل مع الأشياء كلها قبل أن يتحول أى منها إلى أزمة ما كان يجب أن تحدث لأن مسبباتها ليست استثنائية وليست مفاجئة.
لعلنا لاحظنا أننا نتعامل مع جهاز إدارى ما زال يفاجئه مقدم الشتاء كل عام، رغم أن الشتاء ظاهرة فلكية تتكرر على كوكب الأرض مرة كل عام فى وقت محدد.. وإذا بدت هذه المعلومة الفلكية مسلمة لا حاجة لتكرارها، فكيف غرقت الحكومة فى شبر مية هذا الشتاء، وفى شتاءات سابقة عديدة، وكيف لن يدهشنا أن تغرق فى أشبار مياه عديدة قادمة لا محالة خلال ما بقى من هذا الشتاء الذى بدأ لتوه؟
لا جدال فى أن الإدارة المصرية لا تملك الروح الفكرية أو التنفيذية الملائمة للتعامل مع الأزمات عموما، لأنها تفتقر إلى الخبرة المناسبة وخفة التحرك وإبداعية الحلول، وكلها أمور مطلوبة فى معالجة حالات استثنائية قد يصل بعضها إلى مستوى الكوارث كما صار فى الإسكندرية قبل أيام.
كما أن الحكومة المصرية منكوبة فى معارضيها أيضا، حيث من المتوقع أن يتحول هؤلاء المعارضون فى حالة الأزمة أو الكارثة إلى أعوان ينافسون الحكومة العاجزة فى تقديم الحلول المبتكرة، تماما كما يحدث فى الدول الطبيعية التى لا تترادف فيها الخصومة السياسية والعداء رأسا برأس، ولا تكتفى معارضتها بالشماتة فى خيبة الحكومة.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، فالحكومة المصرية أيضا منكوبة فى المجتمع المدنى الذى انحاز انحيازا مطلقا للشئون السياسية، وأغفل التفكير أو النشاط فيما عدا السياسة وأمور الحكم ونشر الديمقراطية من أمور إصلاحية أخرى لها ضرورتها وأهميتها.
وبالطبع جاءت إقالة محافظ الإسكندرية، ابن الأصول المتعلم وربيب الشركات الكبري، بردا وسلاما على قلوب سكان الإسكندرية، لا لفشله فى مواجهة الأزمة التى يعرف الجميع أنها ليست خطأ انفرد به المحافظ وحده، وإنما ردا على الصورة المنفصلة عن الواقع التى قدمها عن نفسه وعن الإسكندرية التى يريدها الناس.
لكن إقالة محافظ لن تفتح بالوعات الصرف، ولن تصلح ما أتلفه السابقون من البنية التحتية الخاصة بصرف الأمطار، ولن تمنع أمطار هذا الموسم والمواسم القادمة من الهطول على المدينة، فالأمر يحتاج إلى خطة متعددة المراحل للتعامل مع الأزمة الحالية بتجفيف المناطق التى أغرقتها المياه وفتح الطرق والأنفاق والجسور كحل عاجل مؤقت، ثم صيانة وإنشاء ما يلزم من البنى التحتية الدائمة اللازمة لتصريف مياه الأمطار، ثم خطة للصيانة الدورية لهذه البنية حتى لا نضطر لكتابة مقال كهذا مرة ثانية.

Link