أثارت الجلبة التى افتعلها الدكتور عصام حجى بالخطأ على حذف اسمه من مناهج التعليم كواحد من العلماء المصريين البارزين تساؤلات عدة حول قيمة الشخصيات التى تتضمنها هذه المناهج، التى يفترض أنها موجودة فى هذه المناهج على سبيل القدوة الحسنة للأجيال القادمة.
أطلق حجى الأزمة مستنكرا حذف اسمه، ثم لما تأكد له أن اسمه ما زال موجودا بالمناهج، عاد واعتذر بعدها بيومين كاملين، مفسحا المجال على شبكات التواصل الاجتماعى لمزيد من الشتائم والسوداوية تجاه «هذا البلد الذى لا يحترم علماءه».
بالطبع من المدهش ومن المستنكر أن يحذف اسم عالم من مناهج التعليم بعد أو وضع فيها، خاصة إن جاء هذا الحذف على خلفية توجهاته السياسية، لكن المدهش أكثر فى أزمة حجى هو وجود اسمه أصلا فى مناهج التعليم.
الرجل باحث مجتهد فى وكالة ناسا، وشارك فى أكثر من عمل بارز للوكالة بصفته باحثا، لكنه بالتأكيد ليس من علماء الصف الأول الذى توضع أسماؤه على لوحات الشرف وفى مناهج التعليم كقدوة للأجيال القادمة.
على أقل تقدير مقبول، فقد فشل «الباحث» الذى يقدم نفسه على أنه صاحب منهج علمى فى «البحث» عن صفحة فيها اسمه فى كتاب لا يزيد عدد صفحاته على المئة، وفوت الدقة والأمانة البحثية ليمرر موقفا سياسيا متعجلا يريد استنتاجه تجاه «البلد الذى لا يحترم علماءه».
بل إنه عندما كتب اعتذاره قال فيه: إنه لم يراجع الكتاب المدرسى الذى اتهم وزارة التربية والتعليم بحذف اسمه منه، وإنما اعتمد على دردشة من صديق صحفي.
الحقيقة أنه من المستغرب إلى درجة كبيرة أن أقدم لأبنائى قدوة فى العلم تتخلى عن أدق أدوات العلم ذ وهى أمانة البحث ذ لصالح الموقف السياسي، ومن الصعب أن أقنعهم بابتلاع هذه القدوة بما يتنافى مع ما سيدرسونه من أصول للعلم نفسه، وهى الأصول التى يعتبر على أساسها المرء عالما فى الأصل.
والحقيقة أيضا أن هذه ليست المرة الأولى التى يقع فيها الدكتور عصام حجى فى هذه الخطيئة.
فقد كان له تعليقه الشهير عندما اختفى قمر صناعى مصرى فى الفضاء، وقال فيه: إنها مهزلة، لكنها نتيجة طبيعية لاستبعاد الكفاءات العلمية – لعله يقصد نفسه فى هذا المحلذ وكان له تعليق على اختفاء قمر صناعى أمريكى فى الفضاء، وقال فيه: إن اختفاء الأقمار الصناعية فى الفضاء أمر طبيعى لظروف خارجة عن الإرادة.
وهذه الواقعة وحدها تشكك فى انتماء الرجل إلى طائفة العلماء التى تؤمن بالثوابت العلمية ذات الدلالة فى كل حالة، والكفر بالنسبة لها أن تخضع المواد للهوي، فالقمر الصناعى هو القمر الصناعى – يفترض – وضياعة حدث يفسره علماء الفضاء بحياد علمى لا يضع فى الحسبان النظام السياسى الذى يحكم الدولة التى يحمل القمر الصناعى علمها.
وبغض النظر عن التقييم العلمى لحجى، الذى اجتذبته أضواء الإعلام وأحرقه لهب السياسة، نحتاج إلى بيان من وزارة التربية والتعليم يحدد لنا فيه المسئولون عن وضع المناهج المعايير التى على أساسها يختار هؤلاء أسماء العلماء التى توضع فى المناهج.
وإذا كانت رتبة «باحث فى هيئة أمريكية» هى المعيار، فلمصر ما يربو على خمسة وثمانين ألف باحث فى الولايات المتحدة وحدها، وإذا كان المعيار هو «باحث فى أى دولة أجنبية من دول العالم الأول»، فسوف يرتفع العدد إلى ما يزيد على ربع مليون مصري.
وإذا كانت فكرة العمل فى وكالة الفضاء الأمريكية هى التى أغرت بوضع اسم حجى فى مناهج الدراسة، فماذا عن وكالة الفضاء الكندية التى وصل عدد العلماء المصريين فيها إلى درجة أن بهوها الرئيسى به صورة لأم كلثوم!
والأغرب من ذلك أن تخلو مناهج التعليم من أسماء علماء كبار لهم ثقلهم العلمى، فيما يشبه الإعدام المعنوى لأجيال من العلماء لصالح شاب صادف شهرة أو هوى ثم هوى.